ولو تصفّحت أوراقي لتقرأها… رأَيت تأمّلاتي جلّ أوراقي
1. قُبَيل هُنَيهاتِ الغُروبُ الخلّابةِ، وقد تَأهّبَت وتَهيّأت شمسُ الأَصِيلِ العَسجدِيةِ لتَسترِيح، مُستأنِسةً زُهاءَ نصف يَومٍ، خَلف مَراقِي طَيّاتِ أقاصِي الأُفقِ البعِيدِ؛ لِتنعكِس، بسَخاءٍ وعَطاءٍ، أشعّتها الذهَبية على جَبِين سَدِيم الغلافِ الجَوّي الحالِم، فيصل جُزءٌ مِنها إلى الأرض؛ لِذا فإنّ السماءَ لا تُعتِم مُباشَرةً، بعد غُروب الشمس، ويَظلّ بَصِيصُ الأشعّةِ المُنعكِسةِ النابِضِ، يَصطبِغُ ويُضيءُ باللّونِ الأَحمرِ الجَاذِب، مِن جِهة الغرب- الوِسادَة الحاضِنة لرَقدَة الشمس الحَالِمة- ويُسمّى دَيدَن تلك الظاهِرة المُتكرّرة، المَرئية بسِهام عَين الناظِر المُجرّدة، وقد احْلَولَت تَباشِير طلعة “الشفقِ الأحمرِ” البهِية في عَينَيه… وبَعد أِفُول واختفاء جَمال سَحنة بَسطِ هَالتَه المَبثُوثَة المَنثُورَة، بَعد عمِيمِ ناعمِ صِبغتِه، في وَجنتَي صَفحة الأُفق الماثِلة، يَظهر مَدّ الشفق الأَبيَض، الرِّدْء اللّاحِق تَدريجيًا، قَبل احتِدام سَطْو غَلَبةِ ظاهِرةِ الإعتَمامِ التامِ… وقد بادَر برَصدِها، بشفافِيةٍ ووُضُوحٍ، طَرف عَين الناظِر الثاقِبة لَحظةً، بحُسنِ المَنظرِ؛ ووَثّقتها سَاعةً، مُستأنِسٍةً برَونَق الجَوهَر؛ وزّانتهَا احتفاءً -بقَسامةٍ ومَلاحةٍ وافِيَتين- مُكوّنات رَوائع مَحاطّ تضارِيس البيئة المُحِيطة العذراء، بمُتّسعِ سِحر رُقعة المكان الشاعِري المُرِيح، مِن جَلالَة افتِتانِ أخلاطِ عَبيرِه البيئيةِ؛ ورَزانَةِ اجتذابِ مُسطّحَاتِه المَائيةِ؛ وأنَاقةِ بُسُوقِ أشجَارِه القَائمةِ؛ ورَشاقةِ نُهُودِ تِلالِه المُنتصِبةِ؛ وتناغُم تغارِيد أطيارِه الناعِمةِ، والتي تَستَعِدّ بِرمّتها؛ للدّخُول الطّوعِي في هَجعَة جُنحِ الليلِ المُنتظرَةِ… وقَد سَعَت، وجَدَّت، وسَعِدت مَجاسُ حَواسِ الشاهِد العِيان، الفاخِرة الحاضِرة، مَن حَولِه، اجتِهادًا وسَعيًا، ببثٍ حَيٍ مُباشِرٍ، إلى مَلءِ “شَاشَاتٍ” مُثِيرةٍ مُستقبِلةٍ، ثُلاثِيةِ الأبعَاد ” بالصوتِ والصورةِ” عَبر شَبكةٍ مِن حُزَمِ الأعصَابِ المُتآزِرةِ المُتناغِمةِ، مِن أجْوَد المُوصّلاتِ الدماغيةِ المُستقبِلة، بكُسوَة الشفق البادِيةِ المُضِيئةِ؛ لتُشعِر بَطَائنَ دَواخِل النفْس، بتَفتُّقِ وتفتُّحِ نَشوةٍ الإمتاعِ؛ وتُهدِيها تألقًا، مَشاعرَ وثِير أَرائك التروِيحِ… والأَكثَر، تأخُذ -مَباهِج النفْس الوَلهَى- بجُلّ لُبابِ الناظرِين إلى خَلفِيّات ومَراقِي، ومَدارِج زَهو تِلك المَناظرِ الأَخَاذةِ الخَلّابةِ، إلى مَحاطّ آفاقِ رِحلاتٍ جَويةٍ “مَكُوكِيةٍ” داخِل أجوَافِ مَقصُوراتِ مَناضِيد عُلويّة مُلوّنة؛ لتَنتشَِي بزهوٍ، أزهَارٌ ثَمِلةٌ مُتفتّحةٌ، في أَجوَد أجوَاء بَساتِينِها الغنّاء، في دَواخِل حَشَاشَة الرّوح؛ وتَرتقِي مَعها جَذْلَى، نَسائمُ سَرائر النّفْس تِباعًا، إلى سَحنةِ سِحرِ هَالةِ ضَوءِ القمر المُنير؛ وطَلّةِ تَأْخِيذِ صَفحةِ زُرقَةِ السماءَ؛ وتَألُّقِ لَمعَانِ مَنظُوماتِ النجُوم المُتلالِئة…!
2. وهُناكَ في مُتّسعِ آفاق مُنحنَى قَوسِ القُطبَين الحَالِمين: الشمالي والجنوبي للكُرةِ الأَرضِيةِ الأُم، تَطلّ على أعيُن الحَالِمين والعُشّاق ظَاهِرة شَفقٍ ربّانيٍ مَرئي، مِن نوعٍ آخرٍ؛ تُجذبهم أطيافٌ مُتباينةٌ مُختلِفةٌ، غَيرَ مَألوفةِ المَنظَر، أَو مَوصُوفةِ المَشهَد مِن حَمِيم فَورةٍ آسِرةٍ؛ وسَخِين صَرعةٍ فَاخِرةٍ، مِن الألوانِ المُغايِرَةِ المُثيرَةِ لِعَين الناظِر الحاضِر؛ والمُتطلّعة إِلى نَقاءِ رَصْدِها الحَي المُبهِر، بفَائقِ مُتَع بُزوغِ جَماليّةٍ استشكشافِيةٍ مُنفرِدةٍ، تَخطِفُ بإشراقَتها، لُباب الأَنظار المُشرَئبة؛ وتأخُذُ بتَبايُنها أَلبابِ العُقول المُتيقّظة، إلى رَحَابةِ وفَسَاحَة أعْلى قِمم نواصِي مَلَكَات التأمّل الواعية؛ وتَعتَصِم عِندها طَوعًا، أَسْمى هُنيهات هَدأَةِ لحظات التدبّر الواعِيتين، في دَارةِ مِشكاة عَظمة، وهَالة أنوار تَجلّية الخَالِق المُبدِع المُصوّر… (وتُعْزَى حُدُوث ظاهِرة الشفَق القُطبِي المُدهِشَة العَجِيبة عِلميًا، والتي تُعرَفُ لَمعانًا وتَألُّقًا، بظاهِرة الشفق الأََخضَر، وسَببُها حُدُوث ظاهِرة الانفجارَات الشمسية المُستمِرّة، التي تُسببها الرياح الشمسِية القوِية، والتي لَا تَستطيع- لحُسنِ الحظِ- مِن الوصُولِ النافذِ إلى أَدِيم كَوكَب الأَرض، بسبَبِ اصطدامِها بالغلافِ الجوّي لها؛ وفي ذَلك الصدّ المُحْكَم، حِكمةٌ رَبانيةٌ بالغةٌ؛ لسَلامَة وحِفظ حَياة الكائنات الحية، الدابة على وَجهِ البسيطةِ، وعلى رأسِها المُصانة، سُلالَة البشَر… يَنتِج عَن عَواصِف تلك الرياح الشدِيدة، مَا يُسمى “بالعاصِفة المِغناطِيسِية” وعِندئذٍ تَتشكّل الجُسَيمَات المُنحَرِفة، والتي يَنتج عنها مُجدّدًا، الشعاعَات المَرئية المُثيرة، الظاهِرة في أعلى أُفق القُطبِ الأرضِي، نتيجةً للتفاعُلِ النشِطِ، بلَونَيها الجاذِبين: الأخضر والبنفسجي الزاهِي… )*
3. وَلَعَلَّ دِيباجَة القَسَم الإلهِي في سُورة الإنشِقاق، هِي وَاحِدةٌ مِن الآيات الكَونِية، التي أقْسَم بَها المَولَى الكَريم، عَزَّ وجَلَّ، مِن حَيثُ ارتباط ظاهِرة الشفق بلفِيفِ طَيفِ أنواعِه المُثيرَة، وتوسّط ظُهورِه بين نَفرةِ الآيتين الكونِيتَين العُظميَين: السُقوطُ اللّحظِي لقُرصِ الشمسِ المُضيءِ، في ٱخِر النهار؛ ووَقتُ أوّل دُخولّ هَجمَةِ الليلِ بظَلامِه الدامِسِ، ومَا جَمع، ومَا حَوى مِن ظُهورِ شتّى مَنظُومَات الأفلاكٍ “المُتبرِّجةِ” الكونيةِ الفَلكيةِ؛ وتَمام اكتِمال، واسْتِدارَة فَلقَة القمر المُضِيئة، في غِيابِ الآية الكَونية الكُبرى، قُرص الشمس، وَسط ظُلمة الليل الأَلْيَل قال تعالى: (فَلَا أُقسِمُ بِالشَّفَقِ* واللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ* والقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ)* … وفِي ظِلال هذه المَنظُومَة المُعاشَة المُتلاحِقَة- بكُنهِ أسرارِها الربانية- مِن دَيدَن سِلسِلة الطيّات الكونية المُتغيّرَة المُتتابِعَة، مَا هِي إلاَّ مَظاهِر إعجازِية، ومَقاصِد لَمساتٍ بَيانِيةٍ، مِن صَريح اتّضَاح وإِفصَاح عَظمة الآيات الكونية الفائقة الكُبرى، التي تَنفرِد بسَابِق صُنعِها الربانِي المُتقَن؛ وتَختَصّ حَصرِيًا، بتَدبِير أمر مَسِيرِها المُسدّد، بجلّ تنظِيم وإرادة عظمةِ الذّات الإلهِية للخالقِ العظِيم، المُدبّر، الذي:( لَا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيْفُ الخَبِيْرُ)*
4. هَذَا، ويُلاحَظُ مِمّا سَبق ذِكره آنفًا، بقِطْعٍ مِن التدرّج الزمَاني، وسُويعاتٍ مُتتابعةٍ مُتواليةٍ مِن سَعَةِ التناسُقِ المَكَاني: سُقوطُ قُرص الشمس الناعِس، عِند الغروب؛ وظُهورُ الشفق الأحمر، لِحاقًا، بُعَيْد الغروب؛ وانتشارُ الشفق الأبيض تِباعًا؛ واستهلالُ ظُلمةِ الليل لُحُوقًا، ومَايتبَعهم لِزامًا، مِن رُؤية ومُشاهدَة أفلاكٍ فلكِية كَونيةٍ انفِتاحًا؛ وبُزوغ فّلقة ضَوء القمر افتِتانًا… يَتبع ذلك التدرّج الحَدثِي المُتكرّر، بنَسِيج إِعجَازٍ بيانيٍ، مِن سِياق نَسَقِ الآياتِ الشرِيفات، المُتقدّم ذِكرها مِن سُورة الانشقاق، الآية التاسعة عَشرة:( لَتَرْكَبُنَّ طَبَقٍ عَن طَبَقٍ)… دَلَالة زَمانِية، وكِناية مَجازِية، عَن تطوّر مَراحِل نُمُو، وتَدرّج عُمر الإنسان، مْنذ أول لَحظةٍ مِن “تَخصِيبِ البُويضة” إلى مَرحلةِ “أرْذَلِ العُمرِ” ومَا يَشهده عُمر الإنسان بُلوغًا، مِن صُروف ونَكبّات الدهر، على رَأي بعض عُموم المُفسّرِين؛ في مَستُور سَابِقةٍ ربّانيةٍ عُظمى، لَا تُدركُها الأبصَار، ولَا يَستَوعِب دِقّة وحَذاقَة صُنعِها العقل البشري!
5. هَذَا، ولَمْ يَكتفِ خَيال مَلَكة الإنسان المَفتُون بظاهِرة الشفق الربانية الكَونية، بألوانِ طَيفِها الآسِرةِ الساحِرة، وإِغفَالِ وإِهمَالِ لَحظةِ الانبهارِ بحُسنِ سَابِقةِ جَمالِها الفاتِن فَحَسب؛ بلْ رَاحَ يَجِدُّ، ويَجِدُ، ويَبتكِرُ شتّى التَطبِيقَاتٍ؛ ويَستَجلِي أصناف التولِيفَات الجَمالِيةٍ؛ ويُطوّر مَهامّ إِنجاز وسَكّ تَشكِيلات إبداعِية، في بيئتِه المُعاصِرة خَاصةً، في مُلاحقةِ تَطبِيقِ وتَورِيدِ تَصَامِيم أحْدَث “الديكورات” الجَاذِبة؛ ومُتابعةِ صَوْغِ أثمَن التّحَف الفاخِرة؛ وتَجدِيد إصْداراتها الجاذِبة المُبتكرَة، في أَرقَى أدوات الزينة؛ وأَنْفَس مُقتنَيات الحِلْيَة؛ وأحدَث رَسم وتَكْسِية أَجمَلِ التصامِيم؛ وابتكَار أَجَدِّ الديكورات المَنزلية الداخلية… مِن صِبَغِ التدرج اللّوني المُثيرة: الأحمر بدرجاتِة الأخَاذة؛ والأبيض بدرجاته الناصِعة؛ والأخضر بدرجاتة الهادِئة؛ والياقوتي بدرجاته الفاتِنة؛ والأحمر الأرجواني بتأخِيذ درجاته المُتناغِمة… في دِقّةِ سِحر قَمّةِ ومُتعَةِ فنّ ذَائقةِ الإِخراج المُتناسِق؛ وإجَادَةِ تَكسِيةِ فائق إبداع التّصامِيم الداخِلية المُبتكَرة، لمَنظومَة القُصُور السكَنِية؛ وجَاذِبية الأسواق التجَارِية الحدِيثة؛ وبِيئة بِنية المَعارِض الفنّية، المحلِية مِنها والدولِية؛ وبَهوَات المَطارَات الكُبرى؛ وتَزيِين قَاعَات المَسارِح الفَخمة؛ وإعداد رِدَاه مَنابر المُؤسّسات الدولية… !
* أحمد الدورا- مصور وصانع محتوى، دمشقي سوري… شركة سمارت ترافل جو- مدينة ترومسو- شمال النرويج
* سورة الانشقاق الآيات: 16، 17، 18
* سورة الأنعام آية 103
* سورة فصلت آية 11