غالبًا يمتلك الكاتبُ حسًّا مرهفًا لا يؤذي مشاعر الآخرين، ولا يضرب طفلًا صغيرًا، ويتعاطف مع الضعفاء، يُقاوم الألم بمشاعر دافئة، يهمس لقلمه، يلتمس منه الرفق لتخرج أفكاره مُنظّمة، ترتدي لباس الفخامة وتتباهى بزخرفها.
إنّ هذه الأفكار الهادرة التي ملأت أركان منّصات التواصل الاجتماعي مرت بفترات عصيبة قبل ظهورها؛ ربما خرج بعضها وتوارى بعضها الآخر خلف القضبان، ولا يُجليها لوقتها إلا أربابها، ثقُلت في العقول والقلوب ثم مثُلت بين يديك.
ولن تخرج كلمة من جعبة صاحبها إلا بارتواء فكريّ، وتنقيح قد طال سُهاده. وفي ظلّ ذلك لابد أن يكون لدى الكاتب الموهوب حوافز مهمة وأسباب تدفعه لاستمرارية مسيرته الكتابيّة ولعل أبرزها الآتي:
1- القراءة أكبر مُسْتفز للكتابة، هي فتنة الكاتب، يقرأ الكاتب حتى يُصاب بالتخمة ويرتوي من أمهات الكتب قديمها وحديثها على السواء، في المجال الذي يخدم فكره ويُرضي غرور قلمه، ويجعل شيطانه المُلهم يبثّ جنوده لحد الإغواء، وكأنى بالكاتب الموهوب يجمع حروفه من بطون الأودية ويصعد بها على أكتاف الجبال فتُضيء العالم بأسره.
إن القراءة من الأمور المهمة التي أجمع عليها الكثير من الكتاب فوصفتها الكاتبة الأمريكية جينيفر إيغان (بقوة الكتابة) وتقول سارا غروين: (أومن بشدة أنّك إذا أردت أن تكتب فعليك أن تقرأ).
2- الكتابة عمل ممتع ولذيذ وشاق، وقد وصف أغوتا كريستوف الكتابة قائلا: (الكتابة أشقّ ما في العالم) لذلك لا تستعجل إنجاز ما تكتب أو نشره بسرعة دون تنقيح، فلابد أن تنضج كلماتك على نار هادئة، والأفضل أن تختار لك مرشدًا اُتُّفِق على تسميته (بالقارئ الأول) قد يكون صديقًا مقربًا، أو زوجًا مبصرًا ؛ حتى يرى مواطن الخلل ويُقوّم مُنتجك بمصداقية، ويذكر التاريخ أن الفيلسوف ويليام جيمس كان يُراجع كتابات أخيه الروائي هنري جيمس.
لذلك تأكّد أنّ هذه الصفحات البيضاء لم تُفرش بآلاف الكلمات إلا بعد أن نُقّحت ورُوجعت مرارًا وتكرارًا.
3- إنّ انتشار منصّات النشر فرصتك لمعرفة أقلام تدعمك وتساهم في تشجيعك، تجعل لديك الوعي الكافي لمعالجة هفواتك، وتخلق فيك الاستمرارية دون أن يكون لديك أدنى اكتراث لتلتفت للمحبطين.
4- إن شروق الشمس لا ينتظر النائمين، وإذا كنتَ تلهو فهناك من يعمل بجدّ وإصرار، إذا وُجد ما يمنعك عن الكتابة كما تزعم فأنت لست كاتبًا موهوبًا.
إنّ امتلاك الأدوات الكتابيّة والقدرة على توظيف القلم باتجاهات مختلفة أمورٌ لا يُستهان بها وفي حال افتقارك للمخزون اللفظي، ووقوعك في شحّ تنوع الأساليب اللغويّة فيكفيك دراستها وإتقانها قبل أن يفوتك موعد انطلاق المبدعين.
5- اختر ناشرًا لكتابك نافذ البصيرة، شهم الأهداف فالوسط الثقافي ممتلئ بحيل وخطط الخبثاء، وهم من يصعدون فوق أكتاف المؤلفين من الكتّاب والكاتبات وينتهزون فرصة احتياجهم لإخراج مؤلفاتهم ثمّ يرحلون بعد انقضاء مآربهم الخبيثة.
دار النشر نافذتك على العالم فاخترها بعناية، وانتخب أصحابها الأفاضل لأنّهم أهل فضيلة يُفيدون، ويستفيدون.
تقول آن باتشيت: (وكيل الدعاية هو من يصنعك أو يكسرك).
أخيرًا: لا تُقلل من شأن قلمك أمام أقلام من تقرأ لهم، اكتبْ ليسمع الناس صوتك المبحوح ولتكشف واقعًا مُغيّبا خلف الشمس، اكتبْ لأن في الكتابة إثبات قويّ على وجودك واندحار من يحمل حقدًا عليك.
