سنوات طويلة انقضت على ذلك الصوت الذي كان يربكني حين سماعه، وتتسارع نبضات قلبي ولا أهدأ إلا حين يضمني لصدره الدافئ..
سبحان من وهبني ذلك الحب لصاحب القلب الأبيض الذي لم أشهد لهُ مثيلًا في حياتي، فهو رغم محنته وتكالب الزمان عليه وقسوة من حوله له كان يمتلك قلبًا نقيًا طاهرًا سليمًا لا يشوبه شائبة، وقد شهد لهُ كل من عرفه من قريب أو بعيد.
محمد أو كما أسميته فارسي الوسيم هو من ألهمني الحب والصبر والقوة، وهو من ساندني في حياتي وعرفني معنى العشق ومعنى الحياة الزوجية وقداستها وطهارتها، وهو من عُرف عنه الإصرار والتحدي وحب التعلم.
إننا وحين نتأمل ذواتنا بعمق، ندرك حقيقة أننا لا نملك شيئًا دون شريك الحياة، وهذا ما تشير إليه الآيات القرآنية في محكم كتاب الله الكريم:
《وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ》 سورة الروم
إن رسالة الزواج الواضحة هي السكن والاستقرار، وهذا الدور الكبير يكون على عاتق الشريكين..
وإن مشاعر الحب شأنها شأن كافة المشاعر الإنسانية تحتاج إلى تغذية مستمرة وتهذيب إلى جانب الاحترام وهذا ما كان -رحمه الله- ملحوظًا في سلوكه، فطيب الله ثراك يا محمد.
فارسي الوسيم هو من رسم خارطة الطريق بوضوح وسور عشّ الزوجية بحصن منيع لم يسمح لأحد بتجاوزه،
وحدد لنا الاهتمامات والواجبات وعزز القيم الدينية مركزًا على الصبر والبذل والعطاء، ومنحنا الاستقرار وحقق العديد من الغايات العاطفية والنفسية، لكنه -رحمه الله- رحل سريعًا.
إن فارسي الوسيم -رحمه الله- هو نموذج للرجل الصالح الذي يقابل جفاء من حوله بالمودة والمحبة وهذه من الدروس التي أضافها لي في حياتي.
فحق علي تجاهه أن أكتب ما يجول في خاطري بدموع عيني في ذكرى وفاته، ففي مثل هذا اليوم المشؤوم التاسع عشر من جمادى الأولى لعام 1441 للهجرة، كان لي الاحتضان الأخير الذي اقتلع الفؤاد، كنتُ أقف في أروقة المستشفى بانفعال حاد أخاطب أصحاب المعاطف البيضاء بحثًا عن إجابة تشفي الغليل وتبرد الفؤاد لكن الموت أسرع!
إنني وفي هذا اليوم أخاطب جميع الأزواج والمقبلين على الزواج
بالاهتمام بشريك الحياة وتفادي الصراع والخلافات قبل الحسرة والندم..
إن أهم ما يحقق الاهتمام بالحياة الزوجية هو وجود حوار هادف لين بين الزوجين، يمكن من خلاله تفادي الصراع، كما أنه يحقق الصداقة بين الزوجين.
ولا ننسى قول الرسول (ص): “من اتخذ زوجة فليكرمها”.
إن امتداح ما تقوم به الأنثى يشعرها بالرضا، ويترك أثرًا إيجابيًا بحياتها يمتد إلى نهاية العمر.
ولن ننسى أن الرجل هو عماد البيت وقوامه، فتقديره واحترامه يجعل منه حصنًا منيعًا للزوجة ولأولادها على حد سواء.
آه يا قلبي، عشتُ زمانًا طويلًا أبحث عن هذا الحبّ وحين وجدتهُ رحل سريعًا ولكن أجمل ما في الأمر أن الله تعالى أراني إياه وجعلني أستشعر وجوده بقربي لأتيقن أنه لا بد للحياة من أن تستمر، بألمها، بحزنها، بتعبها، وبشوقها لمن نحب.
بدموع عيناي، وبأنفاسٍ تتقطع وقلب مجهد، رضي بقضائك يا رب لا معبود سواك، وإنّي بفقدك يا حبيبي لموجوعة وأرهقني الشوق والحنين، لكنها سنّة الحياة.
رحم الله الأستاذ محمد جعفر الجارودي ورحم الله من أهدى له ثواب سورة الفاتحة.