كأس عالم استثنائية بكل المقاييس بدءاً من الإبداع في التنظيم مروراً بالتمثيل المُشرف للمنتخبات العربية المشاركة. بدأت الإثارة مبكرًا بالفوز التاريخي للصقور الخُضر المنتخب الوطني السعودي على راقصي التانغو المنتخب الأرجنتيني العريق والذي يضم في صفوفه الأسطورة الحية وأحد أفضل لاعبي كرة القدم على مر العصور ليونيل ميسي. أنهى المنتخب السعودي سلسلة عدم الهزيمة لنظيره الأرجنتيني والتي بدأت قبل أكثر من ثلاثة أعوام، عندما هزمه بهدفين مقابل هدف بكأس العالم فيفا قطر 2022.
لم يتوقع أشد المتشائمين أن تنتهي المباراة بالتعادل على أقل تقدير نظراً للفارق الكبير من حيث التاريخ والخبرة والسُّمعة. لكن الصقور الخضر حلقت عاليًا وتمكنت بكل استحقاق وجدارة من إلحاق الهزيمة الوحيدة للمنتخب الأرجنتيني حتى الآن في النسخة الحالية من بطولة كأس العالم لكرة القدم المقامة في دولة قطر الشقيقة. لم يكن التوفيق حليف منتخبنا في مباراته الثانية ضد المنتخب البولندي بالرغم من الأداء الرفيع والراقي والبطولي الذي قدموه في تلك المباراة. حتى وإن لم يذهب منتخبنا بعيداً في هذه النسخة من كأس العالم إلا أنهم قدموا أنفسهم للعالم بأفضل صورة وأداء مشرف لاقى استحسان وإعجاب المتابعين والمحللين، كما عكسوا التطور الكبير الذي تشهده الرياضة السعودية وبالخصوص في كرة القدم في ظل الدعم اللامحدود من حكومتنا الرشيدة للشباب والرياضة.
كلنا أمل بأن القادم إن شاء الله سيكون أفضل.
المنتخب سعودي كان ملهماً لبعض المنتخبات المشاركة وربما كان للمنتخب السعودي تأثير إيجابي على مسيرتهم في هذا الحدث الرياضي الكبير. فالإيمان بالقدرات الشخصية والإمكانيات والتحلي بالعقلانية بأنك لا تقل شأناً عن المنافسين في غاية الأهمية لتخطي الصعوبات والمضي قدمًا نحو تحقيق الأهداف. إظهار الاحترام للمنافسين بغض النظر عن أسمائهم وتاريخهم وسجل نتائج المواجهات السابقة معهم فالتطور حق مشروع للجميع. لا شك أن روح الفريق والتفاهم بين اللاعبين في الألعاب الجماعية تُحدث الفارق وتساعد في الوصول إلى نتائج إيجابية تتماشى مع الخطط المرسومة.
حتى مع خروج المنتخب السعودي من المنافسة إلا أن أهازيج الجماهير السعودية الكبيرة والوفية والعاشقة وعلى رأسها “ميسي وينو” كانت حاضرة في جميع المباريات وحديثًا للقنوات الرياضية العالمية وترجمت إلى عدة لغات واستخدمها مشجعو الفرق الأخرى.
ما أن انتهى الدور الأول من البطولة حتى صارت جميع الحناجر تصدح باسم ممثل العرب الوحيد في الأدوار الإقصائية المنتخب المغربي. أسود الأطلس وقفت في مباراتها الأولى نداً عنيداً في وجه وصيف النسخة السابقة المنتخب الكرواتي المُلقب بـ الناريون، ثم بعد ذلك التغلب على المنتخب البلجيكي الملقب بالشياطين الحُمر والمصنف ثانياً على مستوى العالم. واصل أسود الأطلس سلسلة الانتصارات والأداء المشرف بالفوز على الماتادور الإسباني المتوج بكأس العالم في عام 2010 بجنوب إفريقيا وأحد أبرز وأكبر المرشحين للفوز بالنسخة الحالية لكأس العالم. المنتخب المغربي واثق الخطوة يمشي ملكاً لتحقيق إنجاز تاريخي واستثنائي للمغرب في الدرجة الأولى ومن ثم القارة السمراء والعالم العربي بإقصاء المنتخب البرتغالي الملقب بـ برازيل أوروبا والذي يضم في صفوفه لاعبين من الطراز الرفيع وعلى رأسهم صاروخ ماديرا كريستيانو رونالدو الذي تعطلت قذائفه أمام صلابة دفاعات المنتخب المغربي.
الشجاعة والبسالة والمستوى العالي من المهارة والانضباط والاحترافية والروح التي أظهرها أسود الأطلس رفعت من سقف طموح وتوقعات مشجعي المنتخب المغربي، كيف لا والفريق يضم في صفوفه نُخبة من النجوم الأكفاء والمحترفين ضمن أعرق الأندية الأوروبية وفي أقوى الدوريات على مستوى العالم من حيث المنافسة والوفرة المهارية الحاضرة بوجود أفضل لاعبي العالم، بالإضافة للقاعدة الجماهيرية القوية والكبيرة والتغطيات الإعلامية على مختلف القنوات.
سطر نجوم المنتخب المغربي التاريخ بوصولهم لنصف نهائي كأس العالم كأول منتخب إفريقي وعربي. لا شك بأن هذه النسخة من بطولة كأس العالم جعلت من اسم المنتخب المغربي رقمًا صعباً على خارطة كرة القدم العالمية ويحسب له ألف حساب في قادم الاستحقاقات. كل الأمنيات والدعوات بالتوفيق للمنتخب المغربي في مواصلة المشوار وإحراز اللقب وهذا حق مشروع لفريق سعى واجتهد وأبدع، وليس بالأمر المستحيل على أبناء المغرب فهم الآن ضمن أفضل أربعة فرق على مستوى العالم. كما قال المعلق الشهير والمبدع وقد تقطعت أحباله الصوتية خليل البلوشي “المستحيل ليس مغربيًا”.
في الوقت الذي حزمت فيه أمتعتها وغادرت العرس المونديالي عمالقة كرة القدم العالمية وعلى رأسهم راقصو السامبا المنتخب البرازيلي والماكينات الألمانية والسيليسي منتخب الأورغواي، تواصل أسود الأطلس زئيرها وإبداعها وفنها ولعبها البطولي الذي أذهل المتابعين والمحللين من أجل صناعة التاريخ والمجد والفرح. تابع الجميع ولاحظ أن اللاعبين المغاربة استثنائيين حتى في طريقة احتفالهم والتي لم يسبق أو نَدر مشاهدتها في مثل هذه المحافل القارية. فالسجود شكراً للمولى عز وجل، وتقبيل رأس الأم وسط الحشود قيمة لا يعرفها إلا من تربى ونشأ عليها.
علق الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الإمارات رئيس الوزراء وحاكم دبي، على تأهّل منتخب المغرب للمربع الذهبي، في نهائيات كأس العالم 2022، وذلك للمرة الأولى في تاريخ مشاركاته بالمونديال “لا صوت يعلو فوق صوت المغرب في كأس العالم.. مبروك لكل العرب تحقيق الحلم العربي على يد أسود المغرب”. مع وصول السباق نحو اللقب العالمي إلى أمتاره الأخيرة نضم صوتنا إلى صوت جماهير أسود الأطلس الوفية والتي تكبدت عناء السفر من كل أرجاء المعمورة لتحط رحالها في دوحة الخير وتقف خلف منتخبها تشجع وتؤازر بأهازيجها المدوية الجميلة والتي تطرب المدرجات والعاشقين المتسامرين خلف الشاشات. يقول خليل البلوشي: “في هذه اللحظة لستم بحاجة لسماع صوتي كمعلق رياضي ولكن عليكم بسماع صوت الجمهور المغربي الذي زلزل استاد الثمامة”. كل الدعوات والأمنيات بالتوفيق لأسود الأطلس في قادم المواعيد “ديما المغرب”.