تقف “عبير” قبالة الفرن في المطبخ وبيدها ملعقة عملاقة. كانت تغرف بها من القدر، كما الساحرة التي تسكن وحيدة في سفح الجبل. بينما يجلس زوجها على طاولة الطعام منتظرًا وصول صحن المعكرونة المشؤوم. وفجأة تستدير “عبير” وفي عيونها شرر متطاير كما شرر “سيلفر” في جزيرة الكنز. وما أن لاحظها زوجها حتى وقف شعره خوفًا. وراح يترقب لحظة الانقضاض. وفجأة شاهد ذلك الطبق يحلق بجانب رأسه. لتضرب بعدها الطاولة بملعقتها ففزع من شدة الصوت. وراح يقول والرعب يملأ عينيه: ما الذي يجري؟! ثم تقف “عبير” والملعقة مازالت بيدها قائلة بصوت محشرج: أخبرني لماذا لم تصور ليلة البارحة وتوثق رحلتك على “السناب شات”. نظر إليها زوجها مستنكرًا، إلا أن ذلك الاستنكار جعل “عبير” تشك أكثر. فراحت تقول: “أخبرني مع أي فتاة كنت؟ وافتح جوالك الآن، وإلا فتحت لك رأسك بالملعقة”.
تلك المقدمة في الأعلى ما هي إلا سيناريو يتكرر بشكل مستمر. حيث يبدأ بالشك وينتهي بالخلافات. لتفسد بعدها متعة الحياة الزوجية. لقد خلقت ثورة برامج التواصل الاجتماعي سلوكًا جديدًا. حيث أصبح الإنسان يميل لتوثيق حياته وتحركاته. حتى يتحول الأمر لمتطلب اجتماعي. فمن خلاله قد يشارك الإنسان زملاءه وأصدقاءه كنوع من الترابط. أو ليملأ شعوره بالنقص. فيبدأ بتوثيق صوره، خصوصًا عندما يذهب لمكان مميز. معتبرًا ذلك نوعًا من الوجاهة الاجتماعية. والمصيبة أن يتحول الأمر إلى “نمط حياة”. وقد يصادف ألا يقوم بالتوثيق لسبب ما. إلا أن الأمر يثير بعدها التساؤل ويطرح التوقعات لدى المقربين وبالأخص الزوجة.
حينها يقف الزوج المسكين قائلًا: لقد كنت مع أصدقائي نشاهد مباريات كأس العالم. فتقترب منه “عبير” ورائحة شعرها مغطاة بالبصل. بينما يفوح الغضب من أنفها كما تنين خمد سنين وعاد للاستيقاظ. وما كان من زوجها إلا أن يقول: ومنذ متى كان التصوير والتوثيق فرضًا؟! فصرخت في وجهه قائلة: نعم لقد أصبح فرضًا. فأنت أينما تمشي توثق على الفيس بوك. وأينما تأكل توثق على الإنستغرام. وأينما تسهر توثق على السناب. ولكن ليلة البارحة اختفيت من الوجود تمامًا. فراحت تشهر ملعقتها عاليًا قائلة: أخبرني أيها الخائن؟! فرد زوجها مرتجفًا: أقسم برب العزة والجلال بأني كنت أشاهد فوز المغرب على البرتغال. فوضعت “عبير” ملعقتها في بطن زوجها قائلة: “إذن هي لحظة مميزة للعرب، ولماذا لم تشارك العرب فرحتك أيها الكاذب؟! أخبرني أيها الفاجر مع أي فاجرة كنت وإلا سوف أقتلع عينيك.
أيها الرجال احذروا التصوير. لقد فرض ذلك الرجل نهاية مؤلمة على نفسه، لأنه اعتاد فقط على التوثيق والتصوير أينما يذهب. فقد تركت زوجته أثرًا للملعقة على جبينه، عبرة لكل الرجال من هواة التوثيق. وجمعت أغراضها وخرجت بشعرها المنكوش إلى منزل والدها. وما أن وصلت حتى تذكرت أنها نسيت طفلها عند والده. إلا أنها راحت تناقش مع أخواتها فكرة الخلع. ففي الأمر شك في عدم توثيق ليلة سقوط البرتغال على يد العرب رغم أهميتها!