ظمآن وإلى معين الزهراء (ع) مسيري

العقل البشري في طريق بحثه عن التسامي والرفعة والتحلي بالخصال الحميدة والترفع عن الرذائل والمساوئ، بحاجة إلى قبس نور يضيء مداركه ويأخذ بيده نحو النباهة والحذر والتحرك بخطى وازنة وحكيمة، والنور الزاهر في سماء الفضيلة والجمال الروحاني انبثق من أنوار أكمل الخلق وأفضلهم الرسول الأكرم (ص)، وأهل بيته امتدادًا لذلك العلو والرفعة الأخلاقية كما تشهد بذلك – بدقة – سيرتهم الشريفة، والتي هي خلاصة وعصارة لمكارم الأخلاق والإرشادات القرآنية والمعارف الحقة نطقًا وتجسيدًا، ومن هذا المنطلق الذي ننفتح فيه على معرفة الأبعاد الروحية والأخلاقية والاجتماعية في شخصية الزهراء (ع)؛ لنعرف مدى ما كانت عليه من رفعة وسمو في فكرها (ع) وما تختزله كلماتها النيرة من مفاهيم وتوجيهات لا غنى عنها في ساحة العمل ومواجهة التحديات المختلفة في ميادين الحياة، ولننظر إلى تلك المشكلة التي تغزو فكر الشباب والفتيات من خلال عملية الغزو الفكري والثقافي الداعي لهم إلى التخلي عن القيم الإنسانية والانسلاخ الأخلاقي؛ لتحيلهم – في نهاية الأمر – إلى عالم الوهم البعيد تمامًا عن الواقع، وتسرح بعقولهم ونفوسهم في عالم البهيمية والانغماس في الشهوات بحجة التحضر والازدهار، ولكن الفكر الفاطمي المختزل لكل القيم الأخلاقية يطرح ما يتوافق مع العقل الواعي ويناسب الشخصية المتزنة ويتوافق مع الفطرة السليمة، ففكرة الحجاب – مثلًا – في رؤية الزهراء (ع) ليس مجرد خنق للحرية وامتهان لمكانة المرأة وكرامتها والرؤية الناقصة لها كما يزعمون، وإنما هو عنوان الشرف والعفة والترفع عن تبعات السعار الجنسي والعيون الزائغة عند مرضى القلوب، والذين هم – في الحقيقة – من ينتقصون المرأة برؤيتهم لها فريسة سهلة لعبثهم ومحلًا لقضاء شهواتهم المتفلتة.

والدعوة إلى تكوين العلاقة بين الشاب والفتاة بدعوى الصداقة البريئة وهم ومكر لا محل له على أرض الواقع، إذ أنه يخالف الطبيعة البشرية المكونة من الروح والجسد، فالشهوة لا يمكن قمعها ولا وقف التسلل إلى الحرام من خلال الأحاسيس الخداعة، بل المكانة العالية لكل من الشاب والفتاة من خلال القيم الإسلامية التي جعلت علاقتهما الصحيحة من خلال قناة الزواج الشرعي، فالرجل والمرأة من خلال الانسجام الفكري والعاطفي كزوجين هو ما يسمو بهما في عالم الفضيلة والتكامل والرقي.

نحتاج إلى معرفة الضوابط والمعايير التي من خلالها نستطيع معرفة الصفات الدالة على مكانتها العالية ورقيها، وذلك لتنطلق الفتاة وكذلك الشاب في محال تنمية ملكاته وقدراته واتخاذ تلك الصفات هدفًا ومنالًا يتحرك لاكتسابه وتحوله إلى صفات ثابتة في سلوكياته، ومولاتنا الزهراء (ع) من أفضل تلك المقاييس التي يتطلع المحب للتكامل لاتخاذها قدوة يتأسى بها في سيره الجوهري والنوراني، فسيدة نساء العالمين جسدت في كل حركاتها ومواقفها وتعاملها مع الآخرين مبادئ القرآن الكريم والتعاليم المحمدية، وهذا ما يبدو جليًا لمن تطلع إلى سيرتها الشريفة وقرأها قراءة متمعنة ومتأنية، فما نالت (ع) هذه المرتبة السامية والسيادة المرتبطة بتحقيقها للإرادة الإلهية فنالت رضا المعبود عز وجل إلا من خلال إخلاصها في العمل وورعها، ومن المؤكد في مواصفات الشخصية القدوة تحليها بما يجذب ويدفع المقتدي إلى الانسجام والتوافق مع تجليات وروائع مواقفه واتخاذه نبراسًا في كل مجالات الحياة وأسس نسج العلاقات مع الآخرين، ومولاتنا الزهراء (ع) امتلكت كل مقومات العظمة والسمو والتي من خلالها يسعى المرء إلى بناء شخصيته وفق تلك المقومات، ولا يخفى على من قرأ وفهم الرسالة المحمدية وما حملته من فكر وسلوك وتوجيه، أن الزهراء (ع) خير من يمثل هذا النهج الإيماني والأخلاقي، فقد كان لها الدور المشهود والحضور في ساحة التبليغ والتوجيه النسائي، فهي (ع) الخير الكثير الذي ينهل منه الجميع معالم الرشد الفكري والاتزان السلوكي وتحمل المسؤوليات بكل همة ونشاط.



error: المحتوي محمي