السيدة الزهراء شاهدٌ عظيم على أنّ الحبّ الأول في حياة المرأة هو حبّ الأبّ المقدس، ويكفينا ما نُقل عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في حبّ ابنته فاطمة وزوال آلامه ومشاق حياته بنظرة منها فعلاقته صلى الله عليه وآله بالسيدة فاطمة علاقة أبّ يفدي ابنته بنفسه، ويقدم لها كل ما يرضيها، ونجاح بيت فاطمة الزوجيّ ما هو إلا نِتاج تربيتها في حضن محمد كما
يفند ذلك علماء النفس وخبراء العلاقات الزوجية بقولهم: “كلّما كانت علاقة الفتاة بوالدها جيدة كلّما كانت حياتها الزوجية أقلّ عرضة للمشكلات وتخلو من المطبّات”، وعلى الرغم من اتفاق جميع العلماء على قصر عمر السيدة الزهراء إلا أنها في حياتها القصيرة كتبت سيرة أمّ وزوجة ناجحة في حياتها الزوجية بجميع مقاييس النجاح وقد ظهر ذلك في الوقت الذي عجز فيه الإمام علي عليه السلام عن تحمّل فراقها.
السيدة الزهراء الابنة البارة بوالدها المنجبة لأبناءٍ هم خير من ساروا على وجه هذه الأرض فعمروها بالتقوى والوفاء لدين جدهم؛ وقد ورثوا ذلك من أمهم الزهراء التي كانت النسيم البارد يهبّ على الرسول فيُنسيه آلامه، فيقف مرة أخرى على رجليه مُقاومًا صنوف الاضطهاد والتعذيب.
لقد كانت فاطمة بجانب والدها حينما أدبر عنه الكثير، وتنكّر لدعوته حتى الأقرباء، يقول الرسول الكريم: “ما أوذي نبيّ مثلما أوذيت” وما كانت فاطمة إلا دواء يخفف هذا العناء، تقف خلفه، تدفع عنه ما يلحقه من أذى وهو يصلي في الكعبة بمفرده، أصابها الضعف وفقدت والدتها في شعب أبي طالب فما استكانت ولا خنعت، بل أصبحت خيرًا من ألف ولد يساند والده.
ومن هذا المنظور غدت فاطمة أم أبيها ومهجته وحبيبة قلبه، سدّ جميع الأبواب إلا باب منزلها لأنه امتداد للرسالة المحمدية.
بيت فاطمة عنوان كبير للرسالة الإنسانية والإسلامية حتى عُبّد طريقها على أكتاف أفراد هذا البيت الكريم الأصل.
حقّا كان بيت فاطمة قاعدة أثمر الإسلام من خلاله ثمارًا يانعة بجسارة والدها وزوجها وأبنائها بعدهم، وغدا مركزًا لانطلاق أسمى الرسالات مضيئًا بنور محمد حتى يسير الراكب وسط الفلاة لا يخاف إلا الله.
ولا يطيب لي أن أُنهي حديثي إلّا برسالة سامية غلّفتها الزهراء بحبّ لنساء أمة أبيها منذ قرون عديدة إذ قالت: يا أسماء إني أفكر في نفسي غدًا إذا أنا متُّ والله إنّي لأستحي أن أخرج عند الرجال في وضح النهار ليس عليّ إلا الكفن.
هذه الزهراء أم أبيها تستحي وهي ميتة مكفنة في خمسة أثواب.
السّلام على أمِّ أَبيها.