قال تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ۖ لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكَ ۗ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ} [طه: الآية 132].
الآية الكريمة تشير إلى المسؤولية والواجبات الأسرية الملقاة على عاتق الوالدين، وهي الاهتمام بتربية أبنائهما وفق مفاهيم الفضيلة والتزام الأحكام الشرعية وطهارة النفس من الرذائل الأخلاقية، فالاهتمام بتنشئة الأبناء على القيم الدينية ليست من الأمور الترفيهية التي لا تلقى أي اهتمام، بل هي من أسس الواجبات الأسرية التي تنطلق نحو بناء قوي لشخصية الابن، فإذا رأينا ما يرتديه الأطفال من ملابس مرتبة ونظيفة استكشفنا من خلال ذلك مدى اهتمام والديهم بإبرازهم بأجمل صورة وهندام، وأما بالنسبة للجوهر والمعدن الأصيل فيدل عليه ما يمتلكه الطفل من أدب وقيم أخلاقية.
والعبادات في مضامينها العالية طريقة إلى اكتساب معالي الأخلاق والصفات الحميدة وطهارة النفس من العيوب، فهل يهتم الوالدان بتربية أبنائهما على أداء العبادات المزينة للفرد بالفضيلة والتكامل أم نجد من ابتلي بآفة اللامبالاة والتقصير في التربية والانشغال المستمر عن أبنائه؟
الحالة السيئة لتقصير بعض الشباب والفتيات في عباداتهم لا تخضع لعامل واحد يمكن أن نلقي الضوء عليه ونحمله مسؤولية هذا التقصير، ولكن البيئة الفاضلة والاهتمام بتنشئة الأبناء تنشئة سليمة من أسس استقامتهم وتحليهم بالصفات الحميدة، والتي تنعكس على مستوى تعاملهم مع الآخرين بالحسنى، وفي المقابل فإن تقصير الوالدين وقلة مبالاتهما وعدم شعورهما بأهمية التزام أبنائهما بعباداتهم تدخل الضعف والضياع عليهم، بينما نجد بعضهم – وللأسف – يبدي اهتماما متزايدا بالمستوى الدراسي والمهاري لأبنائه ويحرص على ضمهم للدورات التي تطور قدراتهم وتنمي إمكانياتهم، وهذا من الأمور الصحيحة ولكن الاقتصار على تطوير المستقبل الدنيوي دون الأخروي ينم عن نظرة قاصرة قد غابت عن حساباتها أن الحياة الدنيوية ممر لدار الحساب والخلود في الآخرة.
التكاسل والخمول عن أداء الواجبات الأسرية له نتائج عديدة ومن أهمها ظهور الأبناء بحالة التقاعس عن أداء الالتزامات الدينية وعدم المبالاة بأدائها ولا تعلم الأحكام المختصة بها، ففي البرمجة الذهنية يغيب عنها مفهوم الحياة والآخرة ومسألة الحساب والمساءلة عما قدمه المرء من أعمال في الدنيا، فالعيون شاخصة عند البعض نحو زينة الدنيا والتمتع بزهرتها وزخارفها والاقتصار في الاهتمامات والتفكير على الجانب المادي والحاجات الجسمية، وإغفال حياة الروح والأجواء المعنوية من خلال الوقوف بين يدي الله تعالى في محراب العبادة والمناجاة والأذكار، والتي تكسب المرء الطمأنينة والهدوء النفسي والاتزان الفكري والانفعالي، ولمن لا يعرف مقام الصلاة ودورها في تنشيط حياتنا وإدارة دفة مسيرنا نحو التكامل والإنجاز، فليعلم أن الصلاة لها تأثير كبير في اكتسابنا راحة البال وهدوء الأعصاب في ظل تعقيدات الحياة والضغوط النفسية والتوترات الناشئة عن المشاغل المختلفة والعقبات والأزمات الحياتية العاصفة بالنفس البشرية، ففي أوقات الصلاة يلجأ الإنسان إلى ما يخفف تلك التوترات ويزيل عن أجوائه سحابة الهم والكآبة، فالصلاة تجديد عهد إيماني بالخالق والقادر على كل شيء، وانبعاث الهمة والنشاط من جديد في ميادين العمل والمعرفة بعيدًا عن السآمة والملل.
ومن آثار الاهتمام بالصلاة هو تحمل المسؤولية في مختلف مجالات ومتطلبات حياته وتحقيق أهدافه، كما أنها تنظم أوقاته بما يتناسب مع تطلعاته والمضي في خطواته، فتضييع الأوقات وحياة الاستهتار من الآفات والأخطاء التي يقع في حبالها الشباب وتنعكس سلبًا وخسارة عليهم، وأداء الصلاة في أوقاتها يشكل انطلاقة نحو الحياة المنظمة التي يتنقل الفرد فيها من خطوة إلى أخرى ملتفتًا إلى النتائج المترتبة عليها، كما تقوي إرادته وعزمه على تحقيق آماله مهما واجهه من عقبات وصعوبات، وبلا شك فإن الأسرة ستنعم بالاستقرار وراحة البال عندما تنسج العلاقات بين أفرادها المتمتعين بالهمة العالية والحكمة والنضج في التفكير، فأمر الوالدين أبناءهما بالصلاة ومتابعتهم على أدائها، يعني تنشئة سليمة وبناء قاعدة متينة لشخصياتهم في تفكيرهم وسلوكهم.