سكني بكرامة
سافرت من بلدي القديح إلى قم، وفيها حوزة قم، المعلم الشامخ، الذي تأسس على يد الشيخ عبدالكريم الحائري سنة 1340 للهجرة.
وكان هذا التأسيس في مدينة قم؛ لارتباط العلماء بمدفن فاطمة المعصومة (ع) وحبّهم لها، كما أنّ للسيدة المعصومة كرامات كثيرة، وسأذكر قصتي بعد قليل.
الجامعة الشاملة
حوزة قم العلمية هي ثاني أهم مدرسة أو جامعة دينية لدى الطائفة الإمامية؛ بعد حوزة النجف الأشرف.
وقد ازدادت أهمية حوزة قم المقدسة؛ بسبب التضييق الذي كان يلاقيه المسلمون في العراق خلال حقبة النظام السابق، حيث اضطرّ الطلبة الأجانب إلى مغادرة النجف مما دفعهم للتوجه إلى قم.
بلغ عدد طلبة العلوم الدينية في قم 50 ألف طالب تقريبًا، وهم من مختلف الدول بلغات مختلفة، كطلبة العلم الهنود والأفغان والعراقيين والسعوديين (من الأحساء والقطيف) واللبنانيين (من جبل عامل في الأغلب) والأفارقة، وكذلك من الخليجيين (البحرين والكويت وعمان والإمارات وقطر)، وصينيين ومصريين ومن كلّ دول العالم تقريبًا بأعداد كثيرة، بل حتى من الولايات المتحدة الأمريكية.
وتعرفت إلى أبناء بعض الجاليات وصادقت بعضهم كطلاب عمان ومصر والصين وأمريكا وغيرها.
رحلة المتاعب
سافرت إلى قم بدون زوجتي لأهيئ لنا مسكنًا مستأجرًا.
وبعد أسبوع من وصولي إلى قم، شرعت في تدريس شرح ألفية بن مالك، وقد حضر في هذا الدرس صديقي وحبيبي *الشيخ عبد العزيز الثويني،* وهو من طلبة القديح، وقد رافقته صديقًا وفيًّا منذ نعومة أظفاره، كما سكنت معه في بداية تواجدي قم في غرفة واحدة متواضعة.
وكنا نتجول في آخر الصباح أنا والشيخ الثويني على مكاتب العقارات، ونسألهم عن سكن يناسبني، فأكثرهم يعتذر إلينا، أو نجد بيتًا غير مناسب فنعتذر إليهم.
ذهبنا ذات يوم إلى مجلس عامر بطلبة القطيف، فسألني بعض الطلبة بقوله: بأيّ شيءٍ مشغول يا شيخنا في هذه الأيام؟
فأجبته: أذهب إلى مكاتب العقارات.
قال: ساعدك الله، مؤكّد، أقلّ من ٦ أشهر لن تسكن في بيت مناسب.
فقلت: صحيح ما تقول!!
قال: نعم، اسأل كلّ هؤلاء الطلبة الجالسين كيف تعبوا في الحصول على السكن المناسب.
فسألت بعضهم، فأجابوني واصفين معاناتهم يوم كانوا يبحثون عن سكن مناسب لهم.
بركات السيّدة المعصومة
وأصابني في تلك الليلة أرقٌ جثم على صدري، وفي آخر الصباح كان المفترض أن نذهب كلانا إلى مكاتب العقارات، فقلت للشيخ الثويني: سنذهب إلى السيّدة المعصومة (ع) ونناجيها وتتوسط إلى الله ليسرع في أمورنا الملحة.
قال الشيخ: عندي ذكر من الشيخ عبدالرحيم (إيراني من مريدي السيد حسين الشاهرودي من أبرز رجال الخيرة)، إذا أردت قضاء حاجة في نفسك، فخذ هذا الذكر وضعه في يدك، ثم اذهب إلى السيدة المعصومة واطلب حاجتك.
كتبت الحرز وأخذته في يدي ودخلت الحرم فطلبت الحاجة طلبًا خالصًا حثيثًا.
ورجعنا مباشرة إلى الكاشوان (مكان الأحذية) وفتحت يدي فلم أرَ الورقة، فربما سقطت منّي، وربما سقطت في كفّ السيدة، المهم شعرت بطمأنينة غارقة في الراحة.
أخذنا أحذيتنا بعد دقيقة أو أقلّ، وإذا بطالب علم أعرفه يسرع إلينا ونحن ما زلنا في الصحن يقول:
ألا تعرفون أحدًا يحتاج إلى استئجار بيت؟؟
قلت: نعم، أنا.
قال: إذًا نذهب الآن لترى البيت.
فرأيت هذا البيت في منطقة راقية وهي منطقة (رجائي)، والبيت من أحسن بيوت الطلبة، فكتبنا العقد مباشرة في نفس اليوم، ببركة السيدة المعصومة (ع)، وكان بحثنا قد استغرق شهرًا أو أكثر بقليل.