أتذكر البداية قبل أكثر من ستّ سنوات – خريف 2016م – عندما شعرتُ برغبة في الكتابة ومنذ ذلك الحين تدفعني الرغبة في التواصل مع القرّاء الأعزّاء كلَّ يوم. أفقد الرغبة في الكتابة فيدفعني أحدُ الأصدقاء في لقاءٍ بكلمةٍ جميلة أو قارئ بجملة تدعوني إلى النهوض مرَّة أخرى ويومًا آخر!
نعم، من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق! مع أنه لا بد من الاعتراف بسذاجة ما أكتب وقلة منفعته ووجود الأكثر نفعًا منه، إلا أن بعض القرّاء يملكون وفاءً يجل عن الوصف. لا أستطيع أن أجد في قاموس الشكر أفضل من بسط يديَ بالدعاء لهم جميعًا، راجيًا ألا يردهما الله صفرًا من الاستجابة.
أجل، حاولت أن أطربَ القارئ، فكانت قيثارة أنغامي في أحسن أحوالها أربعة أوتار، لا ستّة أوتار. في الساحات الأدبية قامات راقية، لكنها تؤثر أن تترك الساحةَ وتنزوي، مع أن الكلمة الطيّبة صدقة! أما أنا بكل اعتذار، قادتني الصدقة فوجدتُ نفسي أبيع الماءَ في حارة السقائين والسمنَ في حارة السمّانين، ووصف “كُويتب” أليق من “كاتب”:
فكم في الخدرِ أبهى من عروسٍ ** ولكن زيَّن الزمنُ العروسَا
بعد هذه السنوات الستّ أو أكثر، لو عاد الزمن – وأنى للزمنِ أن يعود – لم أأسف على التواصل مع القراء، بل أسفتُ أني لم أبدأ قبل ذلك. قبل ذلك لم يتسع الوقت لأنشغلَ بشيءٍ آخر غير العمل ورعاية الأسرة الناشئة. ومن هنا أدعو كلّ أب أن يرتب أولويات الحياة، فلا شغلَ أهمّ من إنتاج جيلٍ وأسرة تعاكس الزمن وترتقي بدلًا من الهبوط الذي تفرضه جاذبية الزمن المتهالك. أما في زمن ما بعد الأسرة، فأنصح أبناء جيلي بالانشغال بما يبقيهم في قيدِ الأحياء؛ قراءة، كتابة، عمل، أو نشاط متكرر، لكي لا يقعون في فوضى وبعثرة الحياة اليوميَّة.
الرجاء من الله أن يُبقينا وإياكم في قيدِ الأحياء، حتى إذا ما جاءَ شتاء عام 2023م، تذكرنا سبع سنواتٍ سمان، حينئذ أحييكم تحيةً من صغيرٍ لكبير ومن جاهلٍ لعَالم! وإذا قضى اللهُ أمرًا غير ذلك، فليس لنا من الخيرة غير ما اختارَ الله.
وأخيرًا، في هذه الخاطرة أنقل لكم بيتًا من الشعر من قول أبي فراس الحمداني:
هُوَ المَوْتُ، فاختَرْ ما عَلا لكَ ذِكْرُه ** فلمْ يمت الإنسانُ ما حييَ الذكرُ
ومن القرآنِ الكريم: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}! أكثر الأمور تأثيرًا وأخطرها في حياةِ الناس ما يُقال وما يكتب من الكلام! وإذا هناك من لا يصدق فهو بعيدٌ جدًّا عن واقع الحياة!