قلوب نبضت بحب الوطن وحناجر هتفت عاش منتخب بلادي، جماهير زحفت وروابط مشجعين انطلقت إلى الدوحة دعمًا للأخضر، رايات خفاقة رفرفرت بعد أول لقاء ضد المنتخب الأرجنتيني العتيد.
وجاءت النتيجة بنصر مستحق للنسور على حساب التانغو، تلك مفاجأة مدوية شهدها العالم أجمع، نتيجة عكست كل التوقعات ولم تدر في خلد أحد، بأن يتغلب المنتخب السعودي المحدود مهاريًا على نظيره الأرجنتيني المليء بالنجوم في أقوى بطولة عالمية، كان المتوقع فوزًا أرجنتينيًا ساحقًا ماحقًت وبعدد أهداف وافرة، لكن النتيجةجاءت مدوية قلبت كل المفاهيم الكروية، من منتخب حضوره لكأس العالم محدود وحسبما يقال مجرد مشاركاته شرفية وهزائم بعضها من العيار الثقيل، بأن يتغلب على بطل كأس العالم لمرتين 1978 – 1986 ووصيفًا لنهائي 1990 و2014، فضلًا عن تواجده المستمر في جميع المونديالات السابقة ويعد ضمن أقوى المنتخبات العريقة، ذلك الفعل أدهش الجميع حتى لاعبي المنتخبين أنفسهم لم يصدقوا ما آلت إليه نهاية المباراة، بل اعتبرت أولى مفاجآت مونديال قطر 2022، وكل صاغ العناوين اللافتة والمميزة والمتهكمة في كل قارات العالم.
وها هو التلفزيون الفرنسي عبر شريطه المتحرك الناقل لأخبار الساعة، كتب في أسفل شاشته باللون الأحمر عاجل.. عاجل.. “المنتخب السعودي يصعق المنتخب الأرجنتيني بنتيجة 2 – 1”
عنوان طريف، يختزل وقع النتيجة المشبه بصعقة كهربائية تلقاها التانغو، وقريب من هذا العنوان، كتبت مجلة العربي حين سجل المنتخب الكويتي هدفه الأول في مرمى المنتخب السعودي في الثواني الأولى لنهائي بطولة خليجي ثلاثة، سنة 1974م (بأن ماسًا كهربائيًا أصاب الجمهور بعد الهدف الأول)!
عنوانان متشابهان طرفهما المنتخب السعودي، وبين هزيمة الأمس وفوز اليوم وبينهما عقود من السنين يأتي أول منتخب عربي بل آسيوي فيهزم المرشح الأول لنيل مونديال قطر 2022، حتمًا ستترك النتيجة ردود أفعال متباينة، حينها قال ميسي عقب نهاية المباراة مبررًا وقع هزيمة منتخب بلاده “لم نستعد بشكل جيد للبطولة” كلمة كابتن الفريق لامتصاص ما جرى.
نعم ذهول أصاب الجميع وظن من ظن بأن المنتخب السعودي في طريقه للصعود للدور الثاني وبكل سهولة ويسر طالما هزم أقوى منتخب في المجموعة، إذًا التغلب على منتخبي بولندا أو المكسيك ممكن وليس بعيدًا.
عمت الأفراح كل أنحاء الوطن والآمال الكبرى ارتسمت في النفوس وعشش في العقول حلم الوصول للدور 16 وأن المنتخب السعودي سيقدم عروضًا فنية وفوزًا مؤكدًا في المباراة القادمة ضد بولندا خصوصًا بعد تعادله السلبي مع المنتخب المكسيكي، والجدول يشير بأن المنتخب السعودي ترتيبه الأول بعد الجولة الأولى، لكن أتى اللقاء وانتهى بصدمة والكل شاهد على ما جرى.
هزيمة 2 لصفر من منتخب لم يحقق أي شيء يذكر سوى تصدير اللاعبين للأندية الأوروبية، وبرغم ذلك ظل الأمل يلوح في الأفق بتجاوز اللقاء الأخير والتغلب على المنتخب المكسيكي والصعود للدور الثاني وقبل ذلك جرت الحسابات فيما لو حدث كذا وكذا سوف يكون حظ منتخبنا كذا.
ولكن وألف لكن خسرنا اللقاء الثاني على التوالي وتبددت الآمال وتبخرت في ليلة ظلماء، وكل ذلك العزم الذي اكتسبناه بعد تغلبنا على الأرجنتين ذرته الرياح وكما قيل: “ليس من يضحك أولًا بل من يضحك أخيرًا”، أصبحنا الأخير وتذيلنا قائمة المجموعة، خرج اللاعبون وهم يبكون فتأثر الجميع وكل محب أو متعاطف مع المنتخب السعودي، وأتت التحليلات مطولات تختزل في جملة “كان بالإمكان أفضل مما كان”.
وأضم صوتي مع هذه الجملة وقلتها لكثير من الزملاء، وعقبت مباشرة بعد الفوز على الأرجنتين أتمنى أن يلعب المنتخب على التعادل في المباراتين القادمتين هو أسلم وأضمن على أقل تقدير من المجازفة بالهجوم لو تم ذلك لتأهلنا ثاني المجموعة لكن عقلية المدرب “برنارد” لم تنظر بعين واقعية.
عمومًا برأي متواضع، سوف أجري بعض المقارنات بيننا وبين الآخرين الأسبق منا حضورًا، عن أحداث ومفاجآت أتذكرها جيدًا ويعرفها غيري، وهنا كلامي ليس تهدئة أو جبرًا للخواطر عن خروجنا غير المتوقع، وبحسب المتفائلين الكثر الذين وضعوا التأهل بشكل مؤكد، بل نظرتي موضوعية لحال منتخبنا الغالي من منطلق لا نقسو ولا نهجو كثيرًا حين لم يوفق، لاعبونا اجتهدوا وأصابوا وأخطؤوا، فما وقع وقع وما حدث جرى وصار.
هناك منتخبات عريقة شاركت في مونديالات سابقة خرجت من الدور الأول ها هي فرنسا بطلة العالم 1998 تأتي لمونديال كوريا واليابان 2002 وتخرج من الباب الواسع واختزل الأمر بسبب إصابة زين الدين زيدان الجزائري المجنس فرنسيًا!، ويليها في نفس البطولة ومن الدور الأول خروج منتخب الأرجنتين من المولد بلا حمص من فوز وحيد على نيجيريا وخسارة من إنجلترا وتعادل مع السويد وهي التي رشحها “بيليه” لخطف الكأس لأنها كانت الأول في تصفيات أمريكا اللاتينية، وكانت صدمة للأرجنتينيين بشكل لا يصدق، حينها قال “مارادونا”: “خروج الأرجنتين ليس نهاية العالم”!
والأبعد من ذلك منتخب إيطاليا العريق بطل كأس العالم 4 مرات لم يتأهل لمونديالين متتاليين لا روسيا 2018 ولا مونديال قطر الحالي وهو بطل أمم أوروبا الأخيرة 2021!.
أقول وفي النفس حسرة بأن المدرب السعودي السيد “هيرفي رينارد” لو اعتمد خطة (4 ، 5، 1) أو (5،4، 1) وهي خطة دفاعية صرفة معتمدًا على الهجمات المرتدة لنجونا من الهزيمتين لكنه لم يكن واقعيًا خصوصًا مع خروج 4 لاعبين بداعي الإصابة، لاعبون مهمون خسر المنتخب خدماتهم بشكل واضح وجلي.
هناك من ظن بأن الخروج عائد لحالة الغرور التي انتابت لاعبي المنتخب السعودي بعد الفوز على الأرجنتين وتقديم العطايا والهبات لهم فخدرتهم عن التركيز والسعي بتقديم الأفضل.
لا يا سادة يا كرام، لاعبو المنتخب على قدر من المسؤولية كل منهم كان يمني النفس بالصعود ليعيدوا أمجاد منتخبنا في مونديال أمريكا 1994 والذي تمكن فيه المنتخب من الصعود للدور الثاني في أول مشاركة له.
حقيقة إصابة أحد اللاعبين في أي فرقة خصوصًا الذين لهم وزن كبير في خطة المدرب سيترك فراغًا على اللاعبين الباقين، وكلنا يتذكر ما حل بالبرازيل حين أصيب المهاجم الفذ “نيمار” في دور الثمانية ضد كولمبيا بإصابة بالغة حرمته من المباراتين المتبقيتين في الكأس العالمي، وجاء دور الأربعة وحلت الكارثة فتلقت شباك البرازيل 7 أهداف من ألمانيا على أرضهم ووسط جماهيرهم، هزيمة لم تتلقاها البرازيل طوال تاريخها الكروي وأي بكاء وأي دموع ذرفها لاعبو البرازيل بحرمانهم من اللعب على النهائي وبهزيمة ثقيلة ولم تتمكن حتى من إدراك المركز الثالث في كأس العالم 2014، وذلك جاء لمصلحة البرازيل من قبل حين غاب “مايكل بلاك” المهاجم الذي يعتمد عليه منتخب ألمانيا فتخسر نهائي 2002 بهدفين نظيفين غياب لم يخفه مدرب ولا لاعبو البرازيل بأن غياب “بلاك” أراحهم كثيرًا.
ويبتسم الحظ “للمانشافت” في نهائي 1990 ويحرزون كأس البطولة بسبب غياب اللاعب الأخطر في المباراة النهائية الفنان “كانيجيا” مهاجم الأرجنتين فقد شكل ثنائيًا مميزًا، “مارادونا” يجهز له التمريرات على طبق من ذهب و”كانيجيا ” يودع الكرة في الشباك، جرت أثناء مباريات حاسمة، لقد أخرجا البرازيل بفضل تفاهمهما المميز، وأيضًا أخرجا إيطاليا في ربع النهائي مستضيفة البطولة التي كانت متقدمة بهدف للا شيء والوقت قريب من نهاية المباراة ويأتي التعديل بنفس السيناريو “مارادونا” يرفع وسط غابة من المدافعين الإيطاليين و”كانيجيا” برأسه يسجل، وتحسم المباراة بضربات الترجيح لصالح التانغو، لكن في المباراة النهائية غياب “كانيجيا” أراح الألمان بسبب كرتين أصفرين ضده، فحوصر مارادونا وحيدًا في الميدان، وأيضًا لولا وجود الفتى الذهبي لما وصلت الأرجنتين للمباراة النهائية ولو كان “كانيجيا” معه لتغيرت نتيجة المباراة النهائية. عن ذلك الهدف الذي ولج مرماهم من ضربة جزاء مشكوك في صحتها وفي الدقائق الأخيرة، حينها بكى مارادونا والدموع بللت صدر قميصه.
القصد من ذكر تشابك الأمثلة أن إصابة لاعب أو لاعبين ستغير حتمًا من استراتيجية اللعب للفريق.
إذًا يا مدرب “رونارد” أمامك ثلاثة لاعبين مصابين وهم:
ياسر الشهراني (مدافع)
سلمان الفرج (وسط)
محمد البريك (ظهير أيمن)، علي البليهي (مدافع)
وعبدالإله المالكي (وسط) غاب بسبب كرتين أصفرين، وسط هذا الغياب للاعبي المنتخب السعودي ما العمل إذًا خطة دفاعية بحتة؟!
ورحم الله امرءًا عرف قدر نفسه.
كرة القدم قدرات وخطط وإمكانات، لعب وذكاء ومهارة، وأيضًا جانب اسمه الحظ ثم الحظ ثم الحظ، كم كرة من غير رامٍ سكنت الشباك فتنقلب الموازين رأسًا على عقب والعكس أيضًا أهداف محققة وضربات جزاء تضيع وهي أقرب لولوج المرمى، لو أتت لغيرت من مسار المباراة.
وبالنسبة لمسألة الحظ بعض من أمثلة، ها هو منتخب الدانمارك يدخل بديلًا عن منتخب يوغسلافيا بسبب الحرب الأهلية ويلعب ويمشي الحظ معه، مقارعًا فرقًا أقوى منه عدة وخبرة فيطيح بهم واحدًا تلو الآخر وفي النهاية يحرز كأس أمم أوروبا 1992 وحينها سمي “بالحصان الأسود”، ثم يختفي من إحراز أي بطولة وكذا اليونان حققت كأس أوروبا 2004 ثم اختفت، وأيضًا المنتخب التركي الثالث في كأس العالم 2002، مركز لم يحلم به مطلقًا بعدها توارى عن الأنظار ولم يستطع تكرار ذلك الإنجاز بل أخفق عدة مرات من بلوغ التأهل لنهائيات كأس العالم.
هي الكرة فيها العجائب والغرائب وفيها القوة والضعف والتكتيك حسب ظرف كل مباراة، والأهم فيها إمكانية لاعب عن لاعب تصنع الفرق لعبًا ونتيجة.
ومن يراقب “ميسي” حاليا سيعرف أهمية وجوده الفعال والمؤثر في منتخب بلاده، الموهبة والخبرة والسمعة والهيبة تلعب دورًا حاسمًا.
أقول في النهاية لو كانت عناصر المنتخب السعودي مكتملة الصفوف بنفس اللاعبين ذاتهم الذين لعبوا ضد الأرجنتين بدون إصابات أو غيابات لتمكنوا من تجاوز عقبتي بولندا والمكسيك وخير دليل تصفيات آسيا 2021 المؤهلة لكأس العالم في “مونديال قطر” السعودية هي الأولى على مجموعتها متغلبة على أستراليا واليابان ومنتخبا الكنغر والكمبيوتر صعدا للدور 16 على حساب منتخبات أعرق منهما فنًا وأسبق حضورًا، كنا نتمنى أن نكون بجانبهما فنحن لسنا أقل منهما مهارة وقدرة وامكانيات، كم تفوقنا عليه في عدة مواجهات، هي كرة القدم أحيانا تسلبك حقك وأنت الأجدر، كنا نستحق الصعود وقريب منه، لكن لعنة الاصابات أثرت على المستوى وقوة الفريق، لننسى مامضى قد مضى وننظر لما هو آت وبكل ثقة حظًا أوفر لكم يا نسور المنتخب.
في الختام: كم من منتخب نسي ما حل به من إخفاقات ونهض من جديد! وهذا هو الأمل في رجال منتخبنا الوطني في القادم من المشاركات القارية والدولية، قلوبنا تنبض بحبك يا الأخضر
فأنت مخضر لن ولن تذبل والتفاؤل هو نهج الحياة.
تحية لكل من يقف وراء تطور المنتخب ويسعى جاهدًا لتقدمه وبث الروح فيه من جديد.
وشكرًا من الأعماق لكل لاعب حاول وسعى لجعل الخفاق الأخضر يرفرف في الميادين والمحافل الرياضية.
تحية خاصة إلى ابن جزيرة تاروت، مدير المنتخب السعودي لكرة القدم “حسين جواد الصادق” الذي يعمل بصمت ، يا أبا علي خيرها في غيرها والقادم أجمل بإذن الله.