في مسابقة كأس العالم، القائم في هذه الآونة، يحتشد عشراتُ الآلاف من المتفرجين في الملاعب، أما من يتابع الحدث عبر التلفاز وقنوات التواصل فهم أكثر بكثير. ومن باب أنه لم تتح لنا فرصة الحضور، أضع تحت عنايتكم هذا السؤال: ما أكبر عدد يمكنكم أن تتوقعوا حضوره في فعاليةٍ من نوعٍ ما؟! مائة ألف أو يزيدون؟
غير خافٍ عليكم الحرج الذي يسببه الجمهور للاعبين؛ يشجع هذا ويشتم ذاك، يتمنى أن يحتضنَ لاعبًا ويودّ لو استطاعَ أن يقذفَ آخر بقارورة! في الدنيا، يمكن أن تتملص من الحضور، فماذا عن الآخرة؟
تضاء كشافات الملعب، وتظهر الأشياء بحقائقها من خيرٍ أو طاعة أو معصية أو حق أو باطل أمام أعين الجمهور الكريم: “وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ”! نبيين وشهداء، كم تعتقدون أن يكون عدد هؤلاء منذ آدم وحتى يوم القيامة؟ عدا الناس العاديين وغيرهم ممن يحشر؟
لا مشكلة أمام اللاعب الذي لديه ما يقدم ويمتع الجمهور بالنتيجة، أما من يفشل ويقدم عرضًا باهتًا يكون في وضع حرج جدًّا! هناك صنفان من المتنافسين:
الفائز: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ}: يتسلم صحيفة عمله بيمينه إذا كان محسنًا، يقفز من الفرح ثم يدخل الجنّة ويستقر فيها.
الخاسر: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ}: يأخذ صحيفة عمله بشماله ويأسف أيَّما أسف!
تقنية العرض للجمهور مذهلة جدًّا! في الأرض، فوق الهواء، في اليد، لا أحد يتصورها! من المؤكد أن خيالنا المحدود لا يتسع لتخيل نمط العرض. من ينظر اليوم سرعة تطور تقنيات التواصل لن يستغرب إذا كان المشهد في القيامة أكثر إبداعًا من أيّ عرض يصنعه البشر.
خلاصة الفكرة: لا أريد أن أقدّم لكم عرضًا ووصفًا خاليًا من المشاهد المبهجة، التي تفوق عدد المشاهد الصعبة، غير أني أضع هذا المشهد موضع التأمل: كيف ننتقل من مشهد حضورٍ محدود في عالم ماديّ إلى مشهدٍ غير محدود الحضور في عالم الحقيقة آنذاك!
يقدم القرآن الكريم مشاهد مرعبة ومشاهد مبهجة لوجوه المتنافسين في يوم الحشر:
“وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ”!مضيئة مثل الصبح بعد ظلام الليل.
“وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ”! غبار ودخان.
القارئ العزيز، راقب اللاعبين والحضور وتعرف من الرابح ومن الخاسر، لأن الوجه أكثر جزءٍ في الإنسان تظهر عليه حالات تقلب المشاعر؛ الغبطة، السرور، الحزن، الكآبة، الخوف، الغضب، الرضا، وما شابه ذلك من مشاعر بني البشر!
يعود المتنافسون في الدنيا إلى بيوتهم بعد انتهاء المباراة، وفي الآخرة يذهبون إمّا إلى الجنة أو إلى النار، لا توسط بينهما، ذا مبتهج لأنه رابح، وذاك مغمومٌ لأن الخصمَ أدخل هدفًا أو أكثر في شباكه.