تزينت جدران صالة علوي الخباز بالقطيف، بـ53 لوحة لقامتين من قامات الفن بالقطيف، جمعهما المعرض الثنائي للتشكيليتين؛ مهدية آل طالب، وإيمان الجشي، وحمل اسم “محاور” والذي اختتم الثلاثاء 5 جمادى الأولى 1444هـ، حيث استمر لمدة أسبوع، ونظمه نادي الفنون التابع لجمعية التنمية الأهلية بالقطيف، بالشراكة مع بلدية محافظة القطيف، ونادي الترجي بالقطيف، وحضره العديد من الفنانين والمتذوقين للفن.
نقاط لقاء
حين يكون هناك عمل ثنائي ومشترك ولا تشكو عينك من التغيير بالتنقل بين اللوحات مع اختلاف موضوعاتها، فلا يخلو الأمر من مواءمة وانسجام ونقاط لقاء فني من الدرجة الفاخرة، وهو ذاته ما جمع بين فن آل طالب والجشي، حيث جمعهما الشغف لحب الفن وتجاربهما العديدة والتاريخ الفني الذي صاغته السنين في لوحاتهما التي حملت بصماتهما الناعمة والقوية معًا.
وهو أيضًا ما أكدته “آل طالب” حيث قالت: “إن الانسجام جاء نتيجة انسجام التجربتين فهو انسجام توافقي للمستوى الفني العالي للتجربتين، والتمكن من الأدوات باختلاف الموضوع ووحدة الشغف في محبة الفن والعمل والإنتاج والممارسة المستمرة له.
وأضافت: “فلدينا تجاربنا المختلفة من منطقة الراحة إلى منطقة التوتر، فأنا وإيمان لم ننجح في تجربة وبقينا عندها بل حاولنا القفز لمجالات أخرى وموضوعات أخرى مع تقنيات مختلفة وهذا ما جمعني مع إيمان، فكلانا يملك تاريخًا فنيًا، فأنا أملك 30 سنة في المجال الفني وإيمان لها تاريخ مقارب له”.
وذكرت “آل طالب” أن التخطيط للمعرض كان سريعًا، وجاء عن طريق التخاطر بينها وبين الفنانة “الجشي” مبينة أنها فكرت فيه وحادثت “الجشي” عنه وتمت الموافقة فورًا.
محاور
وعن سبب تسمية المعرض بـ”محاور” ذكرت “آل طالب” أنه يعود لأن موضوعها وموضوع “الجشي” بالنسبة لمضمون المعرض مختلف، فالجشي تنقل حالة روحانية وهي تجربتها الخاصة التي عاشتها في الحرم المكي والنبوي، أما هي فهي تنقل تجربتها في مرحلة الكورونا وما سببته الكورونا من ألم للكثير من الناس، والتي سببت لها شخصيًا ألمًا كبيرًا بفقد شقيقها الشاعر والمهندس علوي آل طالب، والذي كانت جدارياتها الثماني إهداء إلى ذكراه ولروحه.
وبينت أنها في تلك الفترة كلما تألمت لفقده ولعدم وجوده وللفراغ الكبير الذي تركه لها، رسمت هذه اللوحات، وقالت: “حدث الكورونا ليس حدثًا استثنائيًا فقط ولكنه قلب العالم ولا تزال تداعياته مستمرة لسنوات، والله أعلم إلى متى وكأنها حرب عالمية ثالثة للإنسان بدون أسلحة حادة أو عنيفة.
فزاعة كورونا
وشاركت “آل طالب” بثماني لوحات بأحجام كبيرة بمقاس 180*160سم، حملت مجموعتها اسم “الفزاعة” وتعبر فيها عن زمن الكورونا وقت الحجر وكانت ناتجة عن إحساس ومشاعر مختلطة من القلق والخوف والأمل ليوم وغد أفضل واستثمار تلك الفترة بالبحث والتعليم لإنتاج أعمال تشكيلية مغايرة تناسب تلك الفترة.
وكان الغراب هو الرمز الرئيس لجميع الأعمال، ورمزت “آل طالب” به للكورونا لأسباب عديدة حسب قولها.
وذكرت أن كل لوحة من لوحاتها الثماني، تعبر عن شيء وعن فكرة معينة لكن كل فكرة كانت مُعاشة عندها ولدى غيرها من الناس لكنها لفتت لها بصورة رمزية.
وانتمت لوحاتها للمدرسة السريالية التي أوضحت أنها تقريبًا مثل تفسير الأحلام وما على القارئ لها إلا تفسير الرمز حتى يستطيع تفكيك معاني اللوحة ومضامينها.
ضماد الفن والقلم
أن ترسم لوحة وتفرّغ فيها ما يثقل صدرك من الحزن فهو من عوامل الارتياح والعلاج بالفن وألوانه لا يختلف عليه اثنان، وهذا ما اتبعته “آل طالب” وأضافت الكتابة على الفن وممارسته، فذكرت أنها كتبت أثناء رسم لوحاتها هذه الخاطرة:
يا حزن.. لم أتحدك.. كعادتي
بل قلت لك
اضرب عميقًا يا الحزن
أخشاك ولكنك مصيري
يشدني إلى هوة مريرة
أيا روحي أهي بداية انتحاري
غوثك يا ربي غوثك
أغثني
أغثني من حزني حزنًا على الإنسان..
45 لوحة روحانية
وبعيدًا عن زمن الكورونا وآثاره يأتي اللجوء الروحي للخالق بأحجام وأشكال مختلفة توزعت لوحاته الـ45 للفنانة “الجشي” بالمعرض والتي غلب عليها الطابع الروحاني الداعي للتأمل في شعيرة الحج وقوانينه الربانية لتلبية نداء الله، فهذه الصورة العظيمة التي أثارت حماستها إلى إيجاد لغة فيها من الجمال والإيمان، وما استهوتها من صـور حية ترمز للغة الخفية للكون وعلاقته بـالـخالق والتي تعنى بالجانب الروحي وتجاوز المظهر الخارجي وتعبر بعلاقة الروح بخالقها مسـتلهمة روح الـخط كشاهد على هذه الروحانية بانطلاقة حرة تسيطر عليها جمالية المسار وحبكة التلاقي بأسلوب فني معاصر.
حضور كبير
ولاقى المعرض إقبالًا كبيرًا جدًا من الزوار من جدة والرياض والأحساء ومن البحرين ومن جميع أنحاء المنطقة الشرقية، ووجهت “آل طالب” شكرها بقولها: “أنا أشكر كل من حضر وكل من اهتم وكل من قال كلمة في حق هذا المعرض وفي حقنا فنانات، نسعى جاهدين لأن نخطو في الفن بطريقة صحيحة وابتكارية وفيها إبداع ونعمل لتاريخ طويل سيمتد وإن شاء الله قبل هذا التاريخ يكون للفن حظ أوفر ودعم أكبر في العهد الجديد للسعودية مع كل هذه الأنشطة”.
وعبرت “الجشي” عن سعادتها بالحضور بقولها: “سعيدة جدًا بهذا الحضور الكبير وبسماع الآراء حول تجربتي، كما أتمنى أن أكون قد قدمت تجربة تضيف للساحة التشكيلية ولمملكتي الحبيبة وأن أنقل تجربتي إلى أماكن أخرى داخل وخارج المملكة”.