القارئ العزيز، هل تخيّلت نفسك تلعب مباراة رياضيّة من أصعب المباريات؟ لا بد أنها تكون مشحونة بالضغط النفسيّ والتَّحفيز والاستعداد! لكن لماذا تحتاج أن تتخيل؟ ألسنا كلنا نلعب أصعب مباراة؟ نلعبها مع خصم عنيد جدًّا، ممكن هزمه لكن ليس بتلك السهولة.
المباراة مع شخص بين جنبينا، ولنسمّيه “الهوى أو الرغبة أو الشيطان”! رأى النبيّ (صلى الله عليه وآله) بعض أصحابه منصرفًا من بعثٍ كان بعثه، وقد انصرف بشعثه وغبار سفره وسلاحه [عليه] يريد منزله، فقال (صلى الله عليه وآله): انصرفتَ من الجهاد الأصغر إلى الجهادِ الأكبر! فقال له: أو جهاد فوق الجهادِ بالسيف؟! قال: نعم، جهاد المرء نفسه.
أوف! السير الصعب، ضرب السيف واحتمال الموت أسهل من المباراة مع النفس؟! أي نعم! مباريات الرياضة مع خصمٍ ظاهر مشهور. ساعة، أقلّ أم أكثر ينتهي اللعب بالفوز أو الخسارة! أما اللعب مع الهوى فهو مع خصمٍ خفيّ في كل شيء: المال، الجنس، الدين، الخيانة، ملذات، شهوات، …
أذكر لكم خلاصة أنموذج، كيف قوة هذه المباراة وقوة الخصم. جاء في هذه القصة ما يلي: يدعى أن عابدًا اسمه “برصيصا” قد عبد الله زمانًا من الدهر حتى كان يُؤتى بالمجانين يداويهم ويُعوذهم فيبرؤون على يديه، وأنه أتي بامرأة قد جُنّت وكان لها إخوة فأتوه بها فكانت عنده، فلم يزل به الشيطان يزيّن له حتى وقعَ عليها فحملت، فلما استبانَ حملها قتلها ودفنها، فلما فعل ذلك ذهب الشيطان حتى لقي أحد إخوتها فأخبره بالذي فعل الراهب وأنه دفنها في مكان كذا، ثم أتى بقيّة إخوتها، وهكذا انتشر الخبر فساروا إليه فاستنزَلوه فأقرّ لهم بالذي فعل، فأُمر به فصُلب، فلما رُفع على خشبته تمثل له الشيطان فقال: أنا الذي ألقيتُ في قلوب أهلها، وأَنا الذي أوقعتك في هذا، فأَطعني فيما أقول أخلصك مما أنت فيه، قال نعم. قال: اسجد لي سجدةً واحدة، فقال: كيف أسجد لك وأنا على هذه الحالة، فقال: أكتفي منك بالإيماء، فأومأ له بالسجود فكفرَ بالله وقُتل، فهو قوله تعالى: {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ}.
أظن أنك الآن عرفت حجم هذا الخصم وصعوبة اللعب ضده مقارنة بلعبة الرياضة الجسديّة. إنما أسلوب الفوز واحد: لا تستهن بخصمك، استعد وتدرب ولا تيأس، النصر حليف من يجتهد. كم هدفًا سجل الشيطان في شباك العابد؟ ماذا لو لعب الشيطان مع عالمٍ بدلًا من عابد؟ من تظنون يربح؟ رسول الله (صلى الله عليه وآله) يعطيكم النتيجة سلفًا فيقول: “ساعة من عالم يتكئ على فراشه ينظر في عمله، خير من عبادة العابد سبعين عاما”.