قبل عدة عقود من الزمان لا يحصل كل الناجحين والمتفوقين على المكافآت والهدايا التحفيزية والتشجيعية والتي كانت تنحصر في خيارات قليلة جدًا وتبدو في غاية البساطة للأجيال المعاصرة لكنها كانت ثمينة ومجزية في ذلك الوقت بسبب شح الإمكانات وقلة الخيارات فلا ألعاب إلكترونية ولا هواتف ذكية ولا إمكانيات مادية. فسقف طموح الناجحين لا يتعدى الحصول على كُرة لا تتجاوز قيمتها عشرة ريالات ليتشارك كل أولاد الفريق بركلها في شوارع الديرة الضيّقة، والبعض من مقتدري الحال ربما يحصل على دراجة هوائية (سيكل).
من يحالفهم الحظ ويحصلون على تلك الهدايا فهم أبطال لحكايات أخرى، فكل أولاد الفريق يحاولون التقرب والتودد لصاحب الدراجة ليحظوا بقيادتها لبضعة أمتار يحددها المالك وربما تنتهي تلك الرحلة القصيرة بإصابة مثل كسر في اليد أو خدوش في الجبهة أو الركبة يبقى أثرها محفورًا في الذاكرة قبل الجسد لعدة سنوات نتيجة للاصطدام بأحد الجدران أو السقوط من على الدراجة بطريقة بهلوانية تثير سخرية وضحك الآخرين لعدم المعرفة بفنون القيادة. والوضع لا يختلف كثيرًا لمن حصل على كُرة مكافأة لنجاحه، فهو من يقرر من يشترك في اللعب ومن يظل متفرجًا طوال الوقت، وهو من يتولى وضع التشكيلة (التقسيمة) لكل فريق وهو من يحدد المراكز ودائمًا ما كان مركز الحراسة عقابًا لمن يخالف صاحب الكرة أو يثير غضبه. حتى وإن كان صاحب الكرة أقل المشاركين مهارة ومعرفة في لعب الكرة لكن لا يمكن إرساله إلى خارج الملعب فسلاحه عبارة فتاكة كفيلة أن تنهي المتعة الكروية “تخلوني ألعب وإلا آخذ كرتي”. دائمًا ما كانت تتكرر مثل هذه المشاهد بعد الامتحانات مباشرة في ذلك الزمن البسيط والجميل.
تعتبر فترة الامتحانات من الفترات العصيبة والحساسة التي يعيشها الطلاب في مختلف المراحل الدراسية، لذلك هم بحاجة لمن يتعامل معهم باحترافية ويخفف عنهم حالة التوتر والخوف والقلق التي يمرون بها، ويساعدهم في التخلص من الحالة السلبية المحيطة بهم وتحسين حالتهم النفسية وتأكيد جاهزيتهم لخوض الامتحانات بكل أريحية. لا شك أن تشجيع الأهل المستمر لأبنائهم وتحفيزهم للحصول على أعلى درجات النجاح ورصد المكافآت يلعب دورًا كبيرًا وفاعلًا في نجاحهم وتفوقهم.
كثيرًا ما يتشتت تفكير الكثير من الطلاب بين الاستعداد للامتحانات ومراجعة المواد المطلوبة وبالتالي إنهاء الفصل الدراسي على أكمل وجه، وبين التفكير في الإجازة القصيرة قبل البدء في الفصل الدراسي الثاني أو كما يحلو للبعض بتسميتها إجازة منتصف السنة.
نعم أبناء الطلاب بحاجة لهذا الفاصل وذلك للاستشفاء من آثار الامتحانات والحصول على قسط من الراحة بعد مجهود وتعب فصل دراسي كامل، لا شك أن مثل هذه الإجازات وإن كانت قصيرة في نظر البعض إلا أنها تمنح الطلاب الراغبين في تحسين تحصيلهم الفرصة للجلوس مع أنفسهم ومراجعة حساباتهم ومعرفة مستواهم بين أقرانهم والوقوف عند نقاط الضعف وبالتالي العمل على تقويتها عن طريق مضاعفة المجهود في المذاكرة أو حضور الدروس الخصوصية لمن تسمح لهم الظروف أو طلب المساعدة من الأهل أو زملاء الصف المتفوقين للوصول إلى النتائج المرجوة. مثل هذه الإجازات تساعد في تحضير الطلاب ذهنيًا والعمل على توفير مساحة كافية لتلقي واستيعاب كم هائل من المعلومات الجديدة. كما يجب على الأهل مساعدة الأبناء في اختيار الأنشطة المناسبة واستغلال وقت الفراغ بشكل مثالي ومفيد.
لا شك أن استلام المكافآت والجوائز والهدايا بعد نهاية الامتحانات من أجمل اللحظات التي يعيشها الطلاب وتظل عالقة في ذاكرتهم على مر السنين فهي مرتبطة بتحصيلهم الدراسي ولها قيمة خاصة في نفوسهم حتى وإن لم تكن من الأشياء القيمة والثمينة. فالبعض يقدر ظروف الأسرة المادية ويكتفي بعبارات الإشادة والثناء والتي من شأنها توطيد العلاقة بين الوالدان والأبناء وإشعال الحماس في نفوسهم لمواصلة الطريق على نفس الوتيرة.
كما أن البعض يعطي الأبناء الحرية في اختيار هدية النجاح كلًا حسب مزاجه أو ما تشتهي نفسه وهذا من شأنه المساعدة في تحقيق رغبة في نفوس الأبناء ويمنحهم الثقة. كما أن اختيار الهدايا المناسبة لكل فئة عمرية أمر في غاية الأهمية للحفاظ على سلامة الأبناء الجسدية والسلوكية في الدرجة الأولى. البعض يفضلها ألعابًا تتضمن نشاط الدماغ وتنمي مهارات التفكير، والبعض يفضلها هدية تعمل على تقوية الجانب البدني. فلم تعد الكرة ذات اللونين التي كانت تمنح صاحبها الكثير من الامتيازات في ذلك الوقت طموح الناجحين، ولم يعد الأولاد يركلون الكرة في الشوارع فالنهضة العمرانية ساهمت في إنشاء أماكن مخصصة للعب أكثر أمانًا، فـ لله الحمد الخيارات في وقتنا الحالي كثيرة ومتعددة، لكن يجب علينا أن نحسن الاختيار.
نجاح الأبناء وتفوقهم الدراسي هو تتويج لجهودهم بالمرتبة الأولى، وجهود الطاقم التعليمي والإداري في المدارس، وجهود الأمهات والآباء في متابعة الدروس وتهيئة الأجواء المناسبة والمحفزة. نسأل الله التوفيق والنجاح والتميز الدائم لأبناء الطلاب وأن يزيد في علمهم وينفع البلاد والعباد بهم.