
تقلد وسامًا يباهي به أقرانه في عمرٍ صغير، وسامًا لا يشبه أوسمة الإنجازات التي اعتدناها، إذ هو نيشان شرفٍ في الدنيا والآخرة، ففي عمر الرابعة عشرة تمكن الشاب “سجاد محمد صالح المادح” من حفظ كتاب الله كاملًا، ليس ذلك فحسب بل استطاع بعد أقل من عام من حفظه أن يحصل على إجازة في حفظ القرآن الكريم، والإجازة تبعتها أخرى وأخرى وأخرى، وها هو بعد أقل من عامين من إنجازه في حفظ آيات الله وتتويجه بأربع إجازات في الحفظ، يحضر نفسه لختمة القرآن بروايتي؛ حفص وشعبة عن عاصم، ليصبح بذلك أول شاب في محافظة القطيف ينال شرف الحفظ مع الإجازة.
منذ الثالثة
في عمر الثالثة، وفي الوقت الذي بدأ فيه أقران سجاد لتوهم تعلم كلمات جديدة؛ ليدرجوها في معجمهم اللغوي، كان ذلك الطفل يحفظ أكثر ما يردد عليه من أناشيد وسور قصيرة، وهذا ما لاحظه عليه والداه فأوليا ذلك عنايةً خاصة.
تقول والدته نائلة المعلم: “في عمر 3 سنوات تقريبًا اكتشفنا أن لديه موهبة الحفظ السريع؛ فكان يردد الأناشيد، وقصار السور في الروضة وبطلاقة، عندها بدأت معه مشوار حفظ آيات كتاب الله الكريم، وكانت أول سورة حفظها سورة الناس، فأخذت أتابع معه حفظ السور بشكل مستمر إلى أن أتممت معه حفظ جزء عم”.
في تراتيل
سجاد -كغيره من حفظة كتاب الله في مدينة صفوى- واحد ممن احتضنته جمعية تراتيل الفجر، وقد التحق بها في الصف الثاني الابتدائي، تستعيد والدته تلك الذكرى: “سمعنا عن إنجازات جمعية قرآنية في مدينتنا صفوى فأحببت فكرة أن يلتحق طفلي باللجنة ويكون حافظًا القرآن، وهذه كانت إحدى أمنياتي، وبتشجيع منّي ومن خالته ووالده التحق صغيري بجمعية تراتيل الفجر القرآنية ولقي ترحيبًا واهتمامًا كبيرًا من معلمه الفاضل حسين آل إبراهيم، الذي كان له الفضل بعد الله في تسهيل عملية حفظ ابني القرآن الكريم كاملًا”.
معلمون
تعلم “سجاد” على يد نخبة من معلمي جمعية تراتيل الفجر، وتدرج في التعلم والحفظ معهم جميعًا وهم؛ الأستاذ ثابت الكاظم، والأستاذ سلمان آل داؤود، والأستاذ السيد كاظم الأسعد، والأستاذ السيد محمد آل حسن، والأستاذ حسين آل إبراهيم، وحاليًا يحضر درس الأستاذ مؤيد الحميدي في التهيئة للإجازات.
يوم منظم
يجتهد سجاد وأسرته في تنظيم وقته يوميًا، ليكون لكتاب الله نصيبه الخاص من ذلك الوقت، تقول والدته: “بمجرد عودته من المدرسة يحكي لي حكاياته وقصصه مع معلميه وزملائه، وفي العصر يبدأ قراءة ورده اليومي من القرآن الكريم، أما المساء فهو الوقت المخصص لمذاكرة دروسه المدرسية”.
تفوق دراسي
“المادح” ليس حافظًا مميزًا للقرآن الكريم فحسب، بل هو طالب متفوق في مدرسته، وتعزو والدته ذلك التفوق لارتباطه بكتاب الله، فهي تقول: “الحمد لله التفوق دائمًا حليف حافظ القرآن، وهذا التميز لمسته فيه وفي جميع زملائه في جمعية تراتيل الفجر”.
رحلة قرآنية
اجتهد “سجاد” وأسرته منذ لحظة التحاقه بجمعية تراتيل الفجر ليكون حافظًا كتاب الله بأكمله، وساندهم في رحلة الحفظ تلك، جمعية تراتيل بأغلب طاقمها التعليمي.
مشوار تلك الرحلة التي أزهرت في نهايتها بتتويجه حافظًا مجازًا، اختصرتها لنا والدته قائلة: “لجمعية تراتيل الفجر أسلوب جميل في تأسيس الحفاظ وإتقانهم، فالجمعية لا تبحث عن الكم بقدر ما تسعى لتخريج حفظة متقنين، وبعد أن درس “سجاد” في حلقة الأستاذ السيد كاظم أسعد، الذي حفظ على يديه 3 أجزاء، انتقل إلى حلقة الأستاذ ثابت الكاظم الذي وصل عنده إلى 15 جزءًا، وقد خاض “سجاد” هذه التجربة التي تتمثل في التدقيق والمراجعة وخوض الاختبارات والمسابقات المتعددة في مختلف الأجزاء حتى يتأسس جيدًا ويعتمد على نفسه”.
وتضيف: “بعد حفظه، تفوق في كل المسابقات التي شارك فيها؛ ومنها مسابقات المجلس القرآني المشترك بالقطيف التي كانت مفتوحة على مستوى الخليج في مختلف الأجزاء، كما تفوق في البحرين والكويت، وقد كان ابننا يتميز بالاعتماد على نفسه كثيرًا منذ صغره حتى مع المتابعة والإشراف في البيت والجمعية”.
وتمضي والدة “سجاد” في سرد تلك الرحلةقائلة: “بعد حفظه 15 جزءًا نصحه الأستاذ حسين آل إبراهيم بأن يتم حفظ القرآن قبل المرحلة الثانوية، فانطلق في الحفظ، بمتابعة مباشرة من آل إبراهيم في فترة جائحة كورونا عبر برنامج الزووم حتى وفقه الله لختم القرآن بإتقان في ليلة العيد من شهر رمضان 1442هـ”.
وتعزو والدته إتقان حفظه لاختيار جمعية تراتيل الفجر له لتلاوة الختمة الرئيسة لها عبر برنامج الزووم لعامين متتالين، تحت إشراف الأستاذين؛ ثابت الكاظم والسيد محمد آل حسن، واللذين كانا يدققان معه بشكل مركز”.
شبل مجاز في الحفظ
الشبل “المادح” ليس حافظًا كتاب الله فحسب، بل هو حافظ حائز على إجازة في الحفظ، فبعد حفظه عمدت جمعية تراتيل الفجر إلى تطويره ليكون معلمًا، وبادر مشرف الجمعية الأستاذ حسين آل إبراهيم لتسجيل سجاد في أكاديمية الشيخ جمال القرش، التي تعطي الإجازات لمن يسمّع القرآن كاملًا عن ظهر غيب بإتقان، مع اشتراط معرفة كل أحكام التجويد وحفظ متون التجويد كتحفة الأطفال للجمزوري، ومتن الجزرية لابن الجزري، واللتان تحويان كل أحكام التجويد، فحفظهما وأتقن شرحهما أثناء المناقشة في الإجازة التي حصل عليها بإشادة من أكاديمية القرش خلال 3 أشهر، وهو وقت قياسي.
وبقي “سجاد” في تلك الفترة تحت متابعة من مدير الأكاديمية الشيخ جمال القرش، الذي كان يتابع ويسأل عنه باستمرار حتى نال الإجازة برواية حفص عن عاصم من طريق الشاطبية علي يد أحد مشايخ الأكاديمية، تحت إشراف ومتابعة من الشيخ القرش بتاريخ 8 صفر 1443هـ.
وبعد أن أصبح مجازًا في القراءة وأعطي شهادة تقدير من أكاديمية القرش أيضًا مع الإجازة، لم تكتف جمعية تراتيل الفجر بهذه الإجازة؛ فقد هيأت لسجاد حضور المزيد من الإجازات بروايتي؛ حفص وشعبة عن عاصم من طريق الشاطبية في جمعية خيركم بجدة مع شيخ عالي السند، وكذلك إجازات من جمعية تحفيظ الدوادمي، هو يدرس الآن ختمة الإتقان على يد الأستاذ مؤيد الحميدي في الروايتين؛ حفص وشعبة عن عاصم من طريق الشاطبية.
أسرة تمهد الطريق وأساتذة يرصفونه
المشوار الذي قطعه “المادح” في حفظه كتاب الله لم يكن يمشي فيه وحيدًا، فقد حظي بأسرة تمهد له الطريق للوصول إلى خاتمة مزهرة بحفظه كاملًا، وأساتذة لم يخبُ دورهم في رصف ذلك الطريق.
يقول سجاد: “كان لأسرتي دور مهم في المحافظة على موهبتي في حفظ كتاب الله وعدم دفنها، فقد حظيت بتشجيعهم وتحفيزهم الدائم؛ ماديًا ومعنويًا، خاصة في بداية مسيرتي القرآنية، كما أنني لا أنسى أيضًا جهود الأستاذ حسين آل إبراهيم، الذي كان بمثابة الأب الناصح والمحفز، فكلما فزت أو تفوقت في أي مسابقة يقوم بتكريمي”.
على لسان أستاذه
يشيد أستاذه “حسين آل إبراهيم” به، ويمتدح تعلقه بكتاب الله وهو في هذا العمر.
ويبين “آل إبراهيم” أنه إضافةً لحفظه القرآن، فهو يتقن مهارة معرفة أرقام صفحات القرآن الكريم، ومعرفة بدايات الصفحات، ونهاياتها، ومعرفة الآية في أي صفحة وفي أي سورة وأي جزء، وإن كانت في الصفحة اليمنى أو اليسرى، وقد شارك في عدة مناسبات أمام الجمهور، وأبدع في هذه المهارة، وطُلب للمشاركة في مدن عدة.
كأي شاب
الشاب “المادح” يشبه أقرانه في هواياتهم وأحلامهم وطموحاتهم، وهو ما يؤكده بذكره أن كتاب الله لا يبعدنا عن كل ما نحب طالما أنه في صالحنا ولا يغضب الله عز وجل، فسجاد يهوى كرة القدم وكرة اليد والسباحة، كما أنه يحلم بدراسة تخصص الهندسة، إضافة إلى ذلك يرى نفسه في المستقبل معلمًا للقرآن في الجمعية التي يدرس فيها.
من حكاياته مع القرآن
في سؤال أسرته عن قصصه مع القرآن، لا يغيب عن والديه أجمل قصة حظي بها في حياته وهي حفظه كتاب الله وإجازته فيه، عن ذلك تقول والدته: “أفضل ما يذكر من قصص سجاد مع القرآن الكريم أنه يعد أول حافظ للقرآن يجاز في حفظه في المنطقة، فليس لدينا في المنطقة حتى كتابة هذا التقرير سواه من المجازين في (حفظ) القرآن الكريم، وهذه سابقة له على مستوى المنطقة”.
وتضيف: “أيضًا هو يعد أول حافظ لكتاب الله كاملًا يدخل الاختبارات الرسمية في حفظ القرآن كاملًا؛ فقد اختبر في تحفيظ الأحساء حضوريًا وحقق درجة 95%، واختبر مرة ثانية حضوريًا في تحفيظ جدة وحقق نفس الدرجة 95%، واختبر في القرآن كاملًا في تحفيظ الدوادمي وحقق الدرجة الكاملة 100% حضوريًا بفضل الله، كما خاض تصفيات مسابقة جائزة الملك سلمان واختبر في القرآن كاملًا، وتأهل للمرحلة الثانية من تصفيات جائزة الملك سلمان بعد أن حاز المركز الأول على مستوى محافظة الدوادمي، بعد أن رشحته جمعية الدوادمي لتمثيلها، فقصص نجاحه كثيرة مع القرآن تمتد من الشرقية لجدة والمدينة مرورًا بالرياض”.
مشاركات وإنجازات
لسجاد العديد من الإنجازات في المسابقات المحلية وعلى مستوى المملكة ودوليًا؛ فقد حقق المركز الأول على مستوى المملكة في مسابقة سمو وزير الرياضة لحفظ القرآن والحديث بالحرم النبوي في فرع حفظ 10 أجزاء عام 1444هـ، بعد مسيرة 8 سنوات من مشاركات حفظة تراتيل الفجر في هذه المسابقة، فهو يعد أول من يحقق هذا الحلم الكبير والمشرف، ومن أبرز إنجازاته أيضًا فوزه بالمركز الأول في مسابقة أمير منطقة الرياض في فرع حفظ 20 جزءًا ممثلًا لجمعية تحفيظ الدوادمي عام 1443هـ، وتم تكريمه من قبل محافظ الدوادمي تقديرًا له لتحقيقه هذا الإنجاز، وأيضًا المركز الأول في الدفعة 25 لحفظة القرآن الكريم بالدوادمي بدرجة 100%، وكذلك حصل على المركز الأول في مسابقة الحفظ على مستوى العالم الإسلامي في الأردن، وقد استضافته قناة الإخبارية على الهواء مباشرة وأعدت تقريرًا مفصلًا عنه، ليصبح أول من يظهر في تقرير رسمي عن القرآن من أبناء المنطقة، كما حصل على المركز الثاني في مسابقة دولية في تركيا، والمركز الأول في مسابقة قبس بالأحساء، والتي كانت مفتوحة للمواطنين والمقيمين، وكان التكريم في جامعة الملك فيصل، بإلاضافة إلى تحقيقه العديد من المراكز الأولى في المسابقات على مستوى الخليج كان آخرها في مسابقة اقرأ 16 بالبحرين.
وكان للمادح كذلك مشاركات واستضافات عديدة في إذاعات القرآن الكريم بالمملكة؛ مثل إذاعة نداء الإسلام، وإذاعة القرآن الكريم، وقناة أهل القرآن، وقد فاز بأفضل تلاوة في برنامج الماهر بالقرآن في قناة أهل القرآن.
وقد عينته جمعية تراتيل الفجر القرآنية معلمًا معتمدًا في طاقمها التعليمي، وباشر التعليم رسميًا في شهر ذي القعدة من عام 1443هـ.
إجازات سجاد
الإجازة الأولى.. في رواية حفص عن عاصم، من أكاديمية القرش بمصر عام 1442هـ.
الإجازة الثانية.. من جمعية خيركم بجدة، بروايتي حفص وشعبة عن عاصم، حفظًا على يد الشيخ عبد الرحيم أمين، والذي يتميز بأن إجازاته عالية السند عام 1443هـ.
الإجازة الثالثة.. من مركز إجلال القرآني الوقفي بالرياض، بروايتي حفص وشعبة عن عاصم حفظًا عام 1443هـ.
الإجازة الرابعة.. من الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بالدوادمي، بروايتي حفص وشعبة عن عاصم، حفظًا على يد الشيخ محمد عمر جوده عام 1444هـ.
ويحضر الآن ختمة الإتقان مع الأستاذ الفاضل مؤيد الحميدي، بروايتي حفص وشعبة عن عاصم حفظًا أيضًا.