سيرة طالب (٣٥)

من كلية الطبّ إلى الحوزة

تعرّفت في سورية على شخصيات راسخة في العلم أو الشعر أو الثقافة، وتجارب رائعة، ومن ضمنها السيد محمد حسين مبارك الزيلعي، مواليد المدينة المنورة ١٣٩١ هجري، وهو طالب علم وشاعر، وكان بيننا حب يحلّق على أعماق الوجدان، ولكي نسرد شيئًا من ذكرياتنا، أسرد، بداية، مقتطفات من سيرته الذاتية.

درس في المدارس النظامية والتحق بكلية الطب في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة عام ١٤١٠ هجري، ثم تركها ليلتحق بطلب العلوم الدينية بحوزة السيدة زينب (ع) عام ١٤١٣ هجري. ونال شهادة البكالريوس من الجامعة نفسها، قسم اللغة العربية، بالانتساب.

ومن سورية انتقل إلى قم ليكمل ما تبقى من دروس السطح العالي، وبعده خارج الأصول والفقه عند السيد الأستاذ منير الخباز (حفظه الله) عام ١٤٢٣ هجري.
ثم رجع إلى المنطقة الشرقية ليلتحق بدروس الأستاذ الشيخ عباس العنكي (حفظه الله) خارج أصول وفقه
بحوزة الهادي في عام ١٤٢٦ هجري.

وفي نهاية المطاف رجع عام ١٤٣٢ هجري إلى وطنه مدينة طيبة، وقد قام بواجب خدمة المؤمنين واشتغل بتدريس ثلة من طلبة المدينة.

رسائل عبر الأثير
كان بيننا رسالتان عبر الأثير نقلهما لي السيد محمد حسين منذ أكثر من ربع قرن، وهذه هي الرسالة الأولى وجوابي عليها:

رسالة رُوح
إلى سماحة الشيخ العزيز علي الفرج القطيفي حفظه الله..
بعد رحلة عيد الفطر المبارك لعام 1413 هجري التي قضيناها معاً في مصايف سوريا الخضراء من ذلك العام:

 

شَمَمْتُ ذِكرَاكَ جَذلَاناً بِهَا طَرِبَا
وَعِشتُ رُؤيَاكَ لَا سَئِماً وَلَا تَعِبَا

 

وَهَزَّنِي الشُّوقُ لِلذِّكرَى فِبِتُّ بِهَا
مُؤَرَّقاً شَابِحَ الأَنظَارِ مُضطَّرِبَا

 

فَطُفتُ حَولَكَ لَا أَدنُو إِلَى شَبَحٍ
أَخَالُهُ أَنتَ إلَّا مَضَّنِي هَرَبَا

 

فَكُنْ كَمَا أَنتَ، دَعْ رُوحِي مُحَلِّقةً
إِلَيكَ وَالقَلبُ دَامَ يَشتَكِي وَصَبَا

وَدَعْ مُحَيَّاكَ أَستَوحِيهِ أُغْنِيةً
أَعِيشُ بَينَ صَدَاهَا مِنكَ مُقتَرِبَا

 

وَدَعْ كَيَانِي غَرِيقاً سَابِحاً وَلِهاً
مَرُوعاً آمِناً فِي اللهِ مُحتَسِبَا

 

وَدَعْ يَرَاعَكَ يَطوِي كُلَّ قَافِيةٍ
وَيَحتَوِي كُلَّ أُفْقٍ عَزَّنِي طَلَبَا

 

وَلَا تَلُمنِي إِنْ جَفَّ القَرِيضُ هُدًى
فَسُوحُ مَعنَاكَ بِهِمْ فَارفَعِ الحُجُبا

 

وهذا ردّي على رسالته مؤرخة في
٥/ ١٢/ ١٤١٣ هجري:

 

أغنية على الأهداب

 

كَأسِي بِتَذْكَارِ دُنيَا أَمسِ رَاعِشَةً
سَكرَى بِخَمرِ هَوًى فِي خَمرِهَا انسَكَبَا

 

سَرَى بِهَا الوَجدُ مِن قَلبِي فَأَتعَبَهَا
سُقْمُ النَّوَى فَاستَثَارَتْ مَا اختَبَا وَخَبَا

 

فَاستَلهَمَت مِن عُيُونِي فِيَّ أُغنِيَةً
طَافَتْ (بِدُنيَاكَ) فَاهتَزَّتْ لَهَا طَرَباً

 

نَاشَدتُ لَيلَكَ مَا أَحلَى دُجُنَّتَهُ
وَرُمْتُ صُبحَكَ مَهَمَا (عَزَّنِي طَلَبَا)

 

رَسَمتُ مَعنَاكَ وَصفاً أَستَحِثُّ بِهِ
خَوَاطِرَ الشَّوقِ فِي لُقيَاكَ مُنجَذِبَا

 

وَغَيمَةٌ أَرتَوِي مِن عَذْبِ صَيِّبِهَا
وَيَنثَنِي أَمَلِي عُوداً بِهَا رَطِبَا

 

وَمَرفَأٌ أَتَهَادَى فِي شَوَاطِئِهِ
أُسَرِّحُ الأُفْقَ فِيهِ أَركَبُ السُّحُبَا

 

رَضِيتُ عَيشِي فِي مَعنَاكَ مِن وَلَهٍ
(مَرُوعاً آمِناً فِي اللهِ مُحتَسِبَا)

 

الرسالة الثانية والرّد

بدأت أكتب رسالتي الواردة من قم إلى حي السيدة زينب (ع)، إلى السيد محمد حسين المبارك:

 

هَا أنَا فِي يَدَيكَ كُومَةَ أَشْلَا
ءٍ تَخَبَّأنَ فِي زَوَايَا السُّطُورِ

 

هَا أَنَا قَد أَتَيتُ فِي سُفُنْ الحَرْ
فِ حَرِيقاً مُغَلَّفاً فِي شُعُورِي

 

سَتَرَى فِي مَلَامِحِي دَهْشَةَ الصَّحْـ
رَاءِ أَو شَهْقَةِ الفَمِ المَقبُورِ

 

لَا تَسَلنِي فَالقَومُ بَينَ عُيُونِي
حَطَبٌ مَاتَ فِي ازدِحَامِ الصُّخُورِ

 

أَو هَشِيمٌ قَدْ جِئتُ أَلهَثُ مِن شَو
قٍ إِلَيهِ فَطَارَ قَبلَ مَسِيرِي

 

ثُمَّ لَا شَيءَ فَانتَظِرْ عَطَشَ اللَّيَـ
ـلِ إِذَا لَم تَجَئْ سَرَايَا البُدُورِ

 

وكان جواب السيّد:

فِي يَدِي مَرفَأٌ مِنَ الشَّوقِ حَطَّتْ
سُفُنُ الحَرفِ مِن (زَوَايَا السُّطُورِ)

 

وَدَنَتْ عَذبَةَ الخُطَى ثُمَّ رَاحَتْ
تَستَثِيرُ الحَرِيقَ مِلءَ شُعوُرِي

 

ثُمَّ طَافَتْ (وَدَهشَةُ الرَّملِ) فِيهَا
لَمْ تُبَالِ بِوَجدِيَ المَغمُورِ

 

وَرَنَتْ أَعيُنِي لِكُومَةِ أشْلَا
ءٍ تَخَبَّأنَ فِي المَدَى المَهجُورِ

 

أَيُّهَا البُلبُلُ البَعِيدُ عَنِ الحَقـ
ـلِ سَلَامٌ لِقَلبِكَ المَفطُورِ

 

إِنْ يَكُن شَفَّكَ النَّوَى فَتَلَفَّتْ
إِنَّ هَذَا الفَضَاءَ رَحْبُ الجُسُورِ

 

أَو فَدَعنِي أُطَاوِحُ اللَّيلَةَ الظَّلـ
ـمَا (إِذَا لَم تَجِئْ سَرَايَا البُدُورِ)




error: المحتوي محمي