في ليلة اختلطت فيها المشاعر بين الفرح وألم الفقد، وقفت الفنانة التشكيلية ليلى الزاير، بين جنبات معرض تقاسيم حائرة في موقف لا تحسد عليه، تاهت فيه فرحتها وضاعت ابتسامتها أمام جفون لا تزال تحكي قصة رحيل لشخصية غير عادية، عندما أحاطت بها أسرة الحرفي الكبير الراحل صانع السلال الشهير سعيد بن عبد الله العسيف.
كان ذلك مساء الأربعاء 22 ربيع الآخر 1444هـ، بعد زيارة مفاجئة لم تكن في الحسبان، لعائلة العسيف، لفعاليات المعرض الذي تحتضنه صالة علوي الخباز، التابعة لنادي الفنون بجمعية التنمية الأهلية بالقطيف، والتي قصدت الوصول للفنانة ليلى الزاير، لتكريمها، بعد أن حركت الأخيرة المشاعر بلوحة فنية رسمتها بفن “لف الورق” تكريمًا للفقيد الحرفي سعيد العسيف، وشاركت بها في النسخة العشرين لمعرض جماعة الفن التشكيلي بالقطيف “تقاسيم”، حيث جسدت بحسها الفني الخلاق لوحةً تمثل التراث الوطني والذي يمثل أروع درجات الكفاح من أجل العيش الكريم في عفويةٍ رائعة.
ومثّل أسرة العسيف خلال الزيارة للمعرض، عدد من أفراد العائلة يتقدمهم شقيقه الحرفي مهدي (أبو حسن) والذي يمارس مهنة صناعة السلال أيضًا، وابنه محمد العسيف، إلى جانب عدد من أبناء بلدة التوبي يتقدمهم رئيس جمعية التنمية الأهلية بالتوبي الدكتور حسن غزوي، وصالح العمير.
وأثنى الجميع على العمل الفني للتشكيلية الزاير، وعلى أدائها الرائع والذي امتزجت فيه روعة الفن بحب الوطن وتراثه العريق، وتم تكريمها نيابة عن الأسرة وجمعية التنمية وأهالي التوبي، ببعض الهدايا التذكارية تقديرًا لمجهودها الرائع والمميز، وكان من ضمنها سلة من صنع أنامل المهندس جعفر، أحد أبناء عائلة العسيف الذين يتوارثون هذا الموروث والتراث من جيل إلى آخر، متمنين لها دوام التوفيق.
وتحدثت الزاير عن قصتها مع العمل، مبينة أنها من محبي التراث، والمتمسكين به شكلاً ومضمونًا، وقبل الشروع في العمل كانت قد قررت أن توثق شيئًا من ذلك بفن “لف الورق” وكانت أمام خيارات كثيرة فالتراث ليس فقط حرفة.
وقالت: “إن التراث هو مجموعة قيم ومعتقدات وآداب وفنون ومعارف لجميع أنشطة الإنسان المادية والمعنوية، وهو ناتج عن تراكم خبرات المجتمع وهو شاهد على تاريخ الأمة وأحوالها، وقد تأجل اختيار موضوع لوحتي شهورًا وأيامًا، وفي شهر رمضان المبارك فقدت القطيف ابنًا من أبنائها وهو الحرفي المرحوم سعيد العسيف أبو محمد، صانع السلال المعروف.
وأشارت إلى أن الفقيد الحاج سعيد العسيف، كان يبذل قصارى جهده في الحفاظ على هذه الحرفة من الاندثار، وكان أيضًا من الساعين للمشاركة في جميع المناسبات التراثية، حيث كان دائم الحضور فلولاه ما عرف هذا الجيل شيئًا عن حرفة صنع السلال، مبينة أنه الوحيد الذي كانت تراه يصنع هذه السلال الجميلة، ولذلك وقع اختيارها عليه بعد وفاته قبل نحو سبعة أشهر، وبعد شهر رمضان بدأت في هذا العمل إلى أن انتهت منه بعد شهر ونصف ووفقت للمشاركة به في معرض تقاسيم.
وأوضحت الزاير لـ«القطيف اليوم» أنها لم تكن تتوقع هذا التكريم أبدًا وكان مفاجئًا لها، مضيفة: “تفاجأت حين هاتفتني الفنانة سعاد وخيك لتخبرني أن جمعية التنمية في التوبي تريد تكريمي على لوحة “صانع السلال” وفي ليلة التكريم حضر أعضاء جمعية التنمية وكذلك عدد من الحضور من عائلة العسيف الكرام”.
وأشارت إلى أنها لم تتوقع أن تنال لوحتها صدى واسعًا بعد تسليط الضوء عليها في تقرير لـ«القطيف اليوم» ليعود على صاحبه بالمزيد من الترحم على روحه الطيبة وهذا ما لمسته أثناء المعرض حسب قولها حين كانت تقف بجانب لوحتها وخاصة من الجيل الناشىء.
وأضافت: “كبار السن والمحبون للفن هم من كانوا يدفعونني للحديث عن لوحتي فأوضح لهم طريقة العمل ومن هذه الشخصية وأنه توفي فيترحمون على روحه والبعض كان يعرفه والبعض لا.
وتحدثت عن شعورها بتكريمها ونوبة الارتباك والرهبة التي كانت حاضرة معها، قائلة: “إن حضور العم (أبو هاشم) علوي الخباز أنقذني وأعتقد أنه شعر بارتباكي فتحدث عن اللوحة، وكما هو معروف عنه فهو يقف بجانب الفنانين دائمًا ولم يكن هذا مستغربًا لدي”.
واختتمت “الزاير” حديثها بتوجيه كلمة شكر لجمعية التنمية الأهلية بالتوبي على تكريمهم لها مع شكر آخر لعائلة العسيف الكرام سائلة المولى أن يوفق الجميع لكل خير.
يشار إلى أن صانع السلال الشهير الحرفي الحاج سعيد بن عبد الله العسيف، توفي مساء الجمعة 21 رمضان 1443هـ.
وعرف “العسيف” بحضوره ومشاركاته الواسعة في المهرجانات الوطنية، وباحترافه صناعة السلال على مدى عقود، حيث تعلمها وهو في الربيع العاشر من عمره عندما كان يتردد على بستان والده بالقرب من قرية التوبي، لمساعدته في أعمال الفلاحة.