أبطال المليون

أسدل الستار قبل بضعة أيام على منافسات دورة الألعاب السعودية في دورتها الأولى والتي أقيمت في العاصمة الرياض بمشاركة شباب وشابات الوطن، استمتعت الجماهير ممن تسنى لهم الحضور في المدرجات والمتابعون خلف الشاشات بالعروض والمنافسات القوية في مختلف الألعاب. كما حصل المتوجون في هذه المنافسات على جوائز مالية كبيرة ومجزية تفوق في قيمتها ما يحصل عليه المتوجون في كثير من المنافسات الدولية والقارية المعروفة. ألف مبروك وهنيئاً لكل الفائزين والمتوجين، وحظاً أوفر في المواعيد المقبلة لكل من اجتهد ولم تسعفه الظروف في بلوغ مبتغاه وتحقيق أهدافه.

دعم وتحفيز وتشجيع المواهب ليس بشيء جديد ومستغرب على هذا الوطن المعطاء، ولا شك أن احتضان المواهب من كلا الجنسين يساهم بشكل كبير وملموس في تطور الألعاب المختلفة في جميع أرجاء وطننا الغالي، وبالتالي ينعكس على تشريف الوطن في المحافل الدولية والقارية على النحو الذي يليق ويتناسب مع اسم ومكانة هذا الوطن العزيز على قلوبنا. وفي ظل الدعم اللامحدود من حكومتنا الرشيدة لخدمة الرياضة والشباب، كيف لا والشباب هم ركيزة أساسية في رؤية المملكة 2030 التي أطلقها سمو ولي العهد -حفظه الله ورعاه.

لا شك أن التوفيق أولاً وأخيراً من رب العالمين، لكن الاجتهاد والسعي مطلوب. فالتتويج في مثل هذه المحافل لا يأتي من فراغ بل أظهرت هذه المنافسات حجم العمل والجهد الإداري والفني المبذول في تهيئة وتحضير اللاعبين لخوض غمار المنافسات المختلفة الفردية منها والجماعية. فالإعداد البدني والنفسي والتحفيز، وتوفير المتطلبات والأدوات والبناء على نقاط القوى، التي تشكل ميزة إضافية وتحديد مكامن الضعف والعمل على تطويرها والاهتمام بأدق التفاصيل، وتحليل ودراسة المنافسين، عوامل مهمة ومن شأنها أن تحدث فارقاً كبيراً لوصول الفرق والأفراد إلى منصات التتويج.

ربما أصبحت عبارة “مرشح فوق العادة” لم تعد صالحة أو سارية المفعول، في ظل وجود هذه المنافسة القوية بين الفرق والأفراد، نعم في بعض المنافسات والمناسبات تلعب الخبرة دوراً مفصلياً في تتويج الفرق ولكن لا يمكن الاعتماد فقط على الخبرة والتاريخ والسمعة، وتجاهل بقية مقومات النجاح الأخرى لتحقيق البطولات. وقد شاهدنا في كثير من المناسبات الكبرى، سقوط منتخبات وفرق قوية وعتيدة ممن ذاع صيتها في المنافسات العالمية. فالوقت الذي ينشغل به بعض الفرق بالتغني بإنجازات الماضي، هناك آخرون يخططون ويعملون بصمت وجد لاستقطاب المواهب وبناء فرق تنافسية أو تبني مشروع لاعب للمستقبل بمواصفات استثنائية.

عدم التوفيق أو الإخفاق في إحدى الألعاب الجماعية في مثل هذه المحافل، يمكن تعويضه بتتويج آخر في إحدى الألعاب الفردية؛ لذلك يجب على إدارات الأندية عدم التركيز والاهتمام والاستثمار فقط في لعبة واحدة دون غيرها وتجاهل بقية الألعاب وبالخصوص الفردية منها، فإهمال تلك الألعاب يعتبر هدراً للطاقات والمواهب. كما يقال في عالم المال والأعمال “لا تضع كل البيض في سلة واحدة” حتى لا يتورط المستثمر في جَمْع ماله كله في مشروع واحد وبالتالي يفلس في حال فشل المشروع -لا قدر الله-. في كثيرٍ من الأحيان يشكل التنوع مصدراً قوياً ورافداً اقتصادياً. المتابعون لمثل هذه التجمعات الرياضية يعلمون أن الألعاب الفردية، هي التي تساهم بشكل كبير في زيادة حصيلة (غلة) الفرق المشاركة من الميداليات وبالتالي تربعها على سلم الترتيب. لاتزال الفرصة سانحة لجميع الفرق لإنقاذ ما تبقى من الموسم الرياضي بالجلوس مع لاعبيها وطواقمها الفنية والاستماع إلى آراء الشارع الرياضي لمناقشة أسباب الإخفاق، ومن ثم وضع خطة عملية مدروسة تعالج مناطق الخلل، ومن شأنها المساعدة في إعادة ترتيب الأوراق الفنية والإدارية، وإحداث التغيير المطلوب وبالتالي البقاء في دائرة المنافسة في مختلف المسابقات المحلية والقارية.

بعض الفرق حديثة في المنافسات، وبعض الأفراد لم يتسن لهم حصد الميداليات طوال مسيرتهم الرياضية والبعض افتقد التتويج منذ فترات طويلة، ولكن كتب الله لهم التوفيق في هذه المنافسات وتكلل تعبهم على مدار السنين بالنجاح ودوّنوا أسماءهم بكل فخر في سجل الإنجازات والبطولات. دورة الألعاب السعودية أحدثت طفرة نوعية رياضية في مختلف الألعاب وقدمت للساحة الرياضية أسماء لم تكن معروفة قبل المنافسات، بل إن الشارع الرياضي ذُهل من العدد غير المتوقع للمواهب السعودية من كلا الجنسين في مختلف الألعاب، وإن لم تكن بعض تلك الرياضات معروفة أو ذات شعبية في كثير من المجتمعات السعودية، إلا أن لكل رياضة عشاقها وجمهورها، دورة الألعاب السعودية كانت شاهداً حياً على علو كعب الرياضة في مملكتنا الحبيبة، كما كانت شاهداً على ولادة كثير من الأبطال فتيان وفتيات ممن سوف يكون لهم شأن كبير في قادم المواعيد الرياضية المحلية والقارية.



error: المحتوي محمي