تأملات في انتصار وانكسار دائرة الصمت

 ولو تصفّحت أوراقي لتقرأها… رأيت تأمّلاتي جُلّ أوراقي

1. عِندَمَا نقَع داخِل مُحيط دائرة الصمت المُطبِق طَوعًا؛ ونخلُو بحِسّ ذَواتِنا الوادِع بُرهةً؛ يَحلُو لنا بتَأنٍ وتَروٍ، حِينئذٍ، أن نَستجمِع جُلّ حَشَاشَة أنفاسِنا الخافِقة الخائِرة؛ ونَسترجِع مَعها مَتن، صَفحاتٍ كَدِرَةِ رَنِقَةٍ، مِن مُستودع أرشِيف تَرِكَة الماضي السحيق؛ لنَستجلِي، مِن هُناك؛ ونُلمِّع نَسِيجَ أعقَد مُلابساتِها المُتداخِلة، بسُرعاتٍ حَاسُوبيةٍ رَقميةٍ فائقةٍ، بأعلى نَمطِ نظامٍ حاسُوبي، بلمحِ سُرعةِ “الديجيتل” الدمَاغِي؛ وقد طُوِيت رِقاعُ سِجلّها الشامل يوم أَمس؛ وحُفِظت سَائر لقطاتِها الملوّنة – بزَمانِها ومَكانِها- المُحدّدين تِباعا؛ لنتأمّلها مَليًا، مِن جَديد؛ ونتدبّرها سَاعةً، في غُضُونِ زُهَاءِ ساعةٍ شَاخِصةٍ قادِمة؛ ونُبصِر مَا لَم نكَد نَراه مُنتصِبًا جَليًا، في وَسَط تَصَعُّدِ بُرَهِ الزحَام؛ وتَفاقُم فُسَحِ “تَوارُد وشَوارِد” هُنيهات الضَوضَاء الخَانقة… وعِندئذٍ ينحسِر شَأو الصمت المُتقزّم المُنهزِم؛ في صَمِيم جَوف مُحيط دائرتِه الحاضِنة المُرخِمة…!

2. وفِي مُعترَك نبض سَاعات هَجعَة الليل الألْيَل، يُرخِي نزول الصمت، الضيف المُنتظَر المُستأنَس مَسحتَه الحانِية، بقتامَة رِداء سُدُولِه الأَعَم الأَشمَل، مُؤذِنًا بانتصار هَجمة الصمت الناشِبة في عُمق أجواف عَتمة الظلام الدامِس؛ ومُعلنًا بسُطُوع ضَوء القمر المنير؛ ليُرسِل، مِن جَانب صَدغِ فلقته الغرّاء العطِرة، بتَمهّلٍ ورِفقٍ، بهَالةِ مدّ شُعاعِه الأَعطَر الأَنوَر … ويُهدِي مُبتهِجًا بسَلالٍ حُبلى، مِن أحلى وأبهى قناديل مُضِيئة؛ ويُرسِل لِحَاقًا، باقاتٍ جَاذبةٍ مِن رَسائل أثيريةٍ، باستهلالِ مُسلسَلاتِ أحلامٍ ليليةٍ وردِيةٍ هَانئةٍ… ولعلّ سُكُون الليل يكون فُرصةً سَانِحةً مُواتِيةً؛ لتسَلّل مَقْدَم تباشِير انتصار دائرة الصمت المُطبِقة، مِن جَديد؛ وتَصَدُّر “كَرْت” الدعوة الذاتية المُتجدّدة؛ لمُراجَعة ومُحاسَبة أنفسنا عَمّا تم تنفيذه في أجِندَة برنامج سَاعَات اليوم المُنصرِم… عَملًا بنصٍ سَامٍ مِن السنَّة النبوية الشريفة: (حَاسِبُوا أنفسكُم قَبلَ أنْ تُحَاسَبوا، وزِنُوها قَبلَ أَنً تُوزَنُوا).

3. ومّعَ آخَر هُنيهَات العدّ التنازلي المرحلي، لاندِحار نوبة هَجمة الليل الكاسِحَة الماسِحَة، تبدأ استفتاح فترة الاستيقاظ المبكّر، مع صَحو نَاشِئة الليل الحافِزَة، بَعد انحسَار واندحَار أطراف غِطاء الظُلمة، وانتشار غُرّة انبلاج أنوار الصباح؛ لتَصحُو وَقتئذٍ، بنَشاطٍ وحَيويةٍ ذاتيتيين، سَائر الأحياء السارِبة؛ وتَستيقِظ وتَتحرّك بمعِيّتها هِمّم سَعيِها الدائِب المُواضِب، شتّى الجمادَات “المُدجّنة” مِن تروس مُختلف الآلَات المُتحرّكة، وأذرِعة المصانع المُنتجَة… وهُناك- في بُطُون المصانع العِملاقَة- تبدأ غَلَبة وانتصَار دَورَة ضَوضَاء ثَورة الحَراك الشامِل، على سَيطرة التقوقع الزمَاني لنظيرتها: هَجعة الصمت الخامِل؛ بتحقيق وإحراز الإنتاجية الصناعية؛ وكَسْبِ مَوارد الرزق الحلال!

4. وإنَّه مِن المُلاحَظ مَيدانيًا، عَدم التقاء وتزامُن طلّة الندّين المُتناقِضين: دَورة الصمت الوادِعة، وَجهًا لوجهٍ، أمام مِنضَدةٍ واحدةٍ؛ مع نظيرتها الترب، دورة الضوضاء المُزعجة، في ساعةِ زمنية واحدةٍ؛ حَيث في غَمرة مَدّ وانبعاث شِدّة هَدير جَعجَعة الضوضاء المُتصاعِد المُقلِقَ، يتمّ ضَخ ورَفع أعلى مُعدّلات تكنولوجيا رَيع الإنتاجية الصناعية… وحيث إنّه في هَدأة انتصار الصمت، واستتباب سَكْنته؛ تَتم مَراحِل التقويم؛ وتُسطّر فَنيّات التقييم؛ لتحفِيز، وتحسِين، وتطوِير، وإعادة برمجَة مُعطيات أعمالِنا المعيشية الشاملة؛ وتصحِيح أخطاء سُلوكياتِنا اليومية، وكَذا سَائر مُعامَلاتِنا المُعتادَة، مَع من حَولنا مِن فِئات الشُُخُوص والهَيئات المُحترمَة؛ وتوسُّعًا، يتمّ التنظيم والتنسيق، مَا بين كتلة الدول المُتجاوِرة، ومِثلها المُتباعِدة؛ حيث في ظِلّ هُدوء ويُسر انتصار رِداء الصمت الضافي؛ وفي فيء رَدهَة الصفاء الفكري المُتآزِرين؛ تتجانس وتتقارب المصالح المشتركة؛ لتتحقّق بِمعيّتهم تِباعًا، رَسم وحَسم خطط الآمال المُستهدفَة؛ ومُتابعة إنجاز التطلّعات المرجُوة… في أَحْدثِ مُنتديات فُسَحٍ استثنائيةٍ؛ وأَجَدّ مَعالم مِنَحٍ استباقِيةٍ، في جَوادّ مَناكب و”مَواكب” آفاق جُمعة الصمت المُتناغِمة… حيث تُحفَّز صَلابة العزائم، وتَتقّد مَلَكات الفِكر، ومِثلها تتأجّج هِمَم البحث العلمي المُتقصِّي؛ وتتنامي مَهام التطوير والإنجاز المُرتقبَة؛ وتتوارد عَزائم الابتكار المأمُولة لإسعادِ، وابتهاج بُحبُوحَة العيش السعيد الرغيد، في شتّى أرجَاء وأصقَاع المعمورة، قاطِبة…!

5. ولَا أَكادُ أنسى، في جَوهَر نَسجَ هذه الخاطرة المُتواضِعة، تأرجُح كفّتي مِيزان نَاتج ذائقَة الصمت، ورُجُوح حِدّة شأو الضوضاء المُقلِقَة المُزعِجَة، في شِعَاب صَعيد أي بِيئة نظيفة كانَت؛ وفي مَواطِن بُقعة أي مَكان هَادئ نزلَت؛ لتأْخذ- خِفّة كَفّة الضوضاء السميجة- بِرمّتِها؛ لتُمنَى بانكسارٍ وانحسارٍ، مَسارًا عَكسيًا، جَانحًا مُنحرِفًا، يرقَى إلى سُدّة بِناء مُصطَلح بِيئي مُعاصِر، يُعرف ويُقيّم عِلميًا ” بتلوّث الضوضاء” البيئي المذمُوم… ومِمّا يُذكر طِبيًا، أنّ شِدّة الضوضاء تعدّ مَصدرًا ومَنبعًا رئيسًا للتوتر، والقلق، ومِثلهما “التلوّث” السمعي؛ وتَتسبّب أضرارها الناجِمة، في نقص وتقلّص المُستَقبِلات الحِسّية العَصبية، داخِل شبكة أجزاء الأُذن؛ مِمّا يتسبب في إحداثِ خَللٍ ضَعفٍ عُضويٍ في خلايا حاسّة السمع؛ خاصة فيمّا أنتجته لنا، بإغراق وإفراط، وسائل التكنولوجيا “الضوضائية” المَسمُوعة الحديثة، وتَعمِيمِها، وقَبُولِها، وانتشارِها الشامل بمَراقي ومنَافذ “جَولَة وصَولَة” مدّ العَولَمة الكاسِحة… وعلى خَلفية هَجمة انتشار، وشُيوع غَلَبة نَشوَة وانتصار مَدّ خَطوط مُنتجات تكنولوجيا الصناعة الصاخِبة المُتفاقِمة طَرديًا، في ذُروَة غَمرَة عُقود مُنتهى “ضَريبة” وعَاقِبة المَدنِيّة الحديثة المُعاصرة… وهُنالك، أحسّ وأيقَن حَدَس الإنسان العلمي المعاصر، بأنَّ ثلّة أَسفاط المُلوّثاث البيئية، ومِنها: التلوّث الضَوضَائي، لابُدّ مِن احتواءِ ناتجِ “حُزَم ورِزَم” ظاهر أضرارِها البيئية المُتنامِية، حِفاظًا عَلى سَلامَة، ونَظافَة، وبِنية رَيعان مُحيط بيئة الكَوكَب الأرضي الأم…!

6. وتأسرني انجذابًا، بخنوعٍ وخضوعٍ، ذاتيين قُدرة البِناء، وعَظمة المَهارة الربّانيتَين في تكوِين وتشييد خَلق الكون، بالقُدرة الإلهية المُقدّرة، بالقُوّة الإبداعِية الخارِقة للمُنشِئ المُبدِع، بأدقّ حِسْبَةِ سَكّ المعايير، وأبرَع صَنعة البناء، وتَجِلّة إحكَام حِرفة الإنشَاء… وبإطلاق مَلَكات التأمّل، والتدبّر، والتفكّر، في عَنَان سَماء عظمةِ مَلكُوت، وأُبّهة أَفلَاك، وتَعاظُم مَدارات مَنظومَة الأجرام السماوية، في مُتّسع خِضمّ هَذا الكون الواسع، ومَا يَحوِيه ويَكتنِزه كُنهه مِن مَجمُوعات أجرامٍ، ومَجرات، ومُذنّبات، وكَواكِب فلكية سَيّارة، ومَخلوقاتٍ أُخرى لَا نعرف، ولَا ندرك حقيقة كُنهها… تَختلف وتَتباين، في تركِيبها وبِنائها عن كَوكَبنا الأرضي؛ ومّا خَصّه الخالق، جَلّت قُدرته بها؛ ويَسّره في مَناحِي سُبلها؛ وأوجده في كُنه أسرارِها: لحَياة، وسَعادة، ورَفاهِية الإِنسان، خليفته في أرضِه… وقد أَبعدَ عَنّا مَوجَات الشرُور، برَحمتِة، وعِنايتِه، وإحسانِه؛ وحَمَانا ربُّنا- تبارك وتعالى- مِن أضرار زَمجَرة، وضوضاء، وهَدير أصوات، ورُعُود سائر وشائع أطرَاق المَجرّات الكونية النائية، عَامّة… وأقربها استشهادًا إلى عِلمنا، مَا أقسَم الله تعالى به، مِن أَسرارِ وخَفايا مَخلوقاتِه الجمّة، في مَتن آي الذكر الحكِيم، في سُورة الطارق، في الآيتين، الأولى والثانية: (وَالسَّمَاءِ والطَّارِقِ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ)… ولِله في سَائر خلقه، مُطلَق التصرّف في تَسدِيدِ أَحوالِهم؛ وقِسمَة مَعائِشهم؛ وتَقريرِ مَصائِرهم، ولهُ في ذلك شُؤون…!



error: المحتوي محمي