كلمة “فضول” في اللغة لها عدة معان ومفاهيم تبعد عن بعضها مسافات، ما نقصده هنا “من يتدخل فيما لا يعنيه” في العلاقات والشأن الاجتماعي وأسراره بغية الوصول لما يخفيه الآخرون دون أي دور له فيه إلى أن يفرض أمرًا واقعيًا. توفي فلان قال كلمتُ عمْرًا يغسله وزيدًا يصلي عليه الوقوف إلى جانب صاحب المصيبة شيء إيجابي محبب وحسن لكن التصرف من غير أمره يتعارض مع الأحكام الشرعية أحيانًا والمطلوب مِن المسؤول عن تنفيذه. يُوجَه سُؤال لِعالم دين أو طبيب أو مختص ينبرئ ويجاوب وإن صحت إجابتك لكنها ليست مطلوبة منك “إلا إذا كانت إجابة المعنى مخالفة للشرع أو ينتج عنها ضرر حتمي عند تطبيقها في هذه الحالة أنت بتدخلك ناصح أمين” وإلا انطبق عليك القول باللهجة العامية الدارجة “ملقوف” هل ترضاها لنفسك؟ كيف لو كنت مخطئًا ماذا تُسمى حينها ؟ وكذلك كثرة الأسئلة مرارًا مع وضوح المسألة غير المحتاجة لشرح وبيان. هذا إجمالًا وتفصيلًا:
الأول: عندما يسمع خبرًا، خصوصًا عن أرحامه أو من يعرف ضارًا كان أو سارًا يريد تفاصيله بدقة. موظف تقاعد كم أعطي؟ توفي شخص كم تركته؟ خُطبت بنت كم راتب خطيبها؟ أين يعمل؟ كم الصداق؟ طُلقت الزوجة ما السبب؟ منه أو منها؟ من يأخذ الأولاد؟ فُصل شاب من عمله، بالتأكيد ارتكب جرمًا عظيمًا لا يُغتفر! مشكلة بين زوجين، يمينًا شمالًا حتى يصل لأسبابها وما تم فيها، فرَح أو عَزاء بعض أفراد العائلة لم يحضروا؛ يضع فرضيات على تقسيم الميراث أو عدم الموافقة لخطوبة ابنة عم أو خال أو عِراك بين أطفال ونساء أو أو ولا يقل قد يكون مسافرًا أو مريضًا. لا ليصلح أو يهمه الحدث أو لدفع خطر إنما ليعلم المستور وهو في غنى عنه وهكذا. لو كان لغرض المساعدة أو التحذير من وقوع مكروه هذا شيء محبب والتساؤل في محله من الواجب ويلام على تركه. ولكن للتفرج والتشفي وما هو أزيد. يتناجى اثنان يلقي بسمعه ماذا يقولان وما أسرع أن يُدخل نفسه معهما ويفتي وهما في ضيق منه؟
الثاني: يأتي لعيادة مريض لا يهمه شفاه بدءًا ولكن نوع المرض الذي لا يريد المصاب إفشاءه أو يطلع عليه حتى المقربين إليه، يأتي بشدة وبأسئلة واستفسارات وكلما أُغلق عليه باب فتح أبوابًا، أنت جئت لراحته أم لأذيته؟! أو يبدأ بأن يصف الدواء وإن قِيل له ما تقوله يخالف تشخيص الطبيب لا يخجل ويسكت بل يواصل كأنه كبير الأطباء. والبعض يحضر الدواء مباشرة بحجة أن المرض هذا سبق أن أصيب به مَن أعرفه فتداوى به وشُفِي. وإن كنتَ تفعل ذلك بحسن نية لكنه فضول فاترك الأمر للمعنيين. أصيب صديقه في رئته بما أفقده المناعة بعد خروجه من المستشفى ومعاناة أولاده معه أيامًا جاء لزيارته في البيت أصر على إخراجه إلى مناسبة تجمع الكثيرين وما أرجعه إلا بحالة يرثى لها وقد تورمت قدماه هل يصح هذا ويقبل؟ امرأة مريضة قبل أن يدعو لها بالشفاء يسأل بحرص ما مرضها؟ “هذا عيب” لها خصوصية تخفي ما تعانيه من آلام وإصابة عن أمها وأختها كيف أنتَ البعيد منها؟
الثالث: عَلِمَ بمن اشترى منزلًا فنزل ضيفًا عليه ولكن بدلًا من التبريك وإدخال البهجة والسرور يضع فيه كل العيوب؛ في الموقع، في البناء والتوزيع، في الأصباغ والأثاث، لا يرى صغيرة ولا يترك كبيرة تصلح في نظره، ويصدر توجيهاته؛ عليك أن تفعل هذا وتترك ذاك وتغير وتزيل مسببًا لمضيفه حرجًا وخيبة أمل إلى أن يقتل فرحته! “انتقاداتك وإن كنت تراها من جانبك إيجابية ولكن أذواق ونظرات غيرك تختلف، يرون ما فعلوه الصحيح وتدخلك دون طلب هذا فضول منك واستنقاص لهم وتسفيه”. وإذا علم بآخر بنى دارًا يتتبع من أين جاء بهذا كله وكيف أنه يكلف المبلغ الفلاني؟ يظهر أنه متوسد الملايين أنت لا تطالبه فما لك وما يملك؟! يراقب مَن يسافر يحسب أسفاره كل شهر وشهرين من أين له؟ إنه مجرد بقال أو عامل براتب محدود؟!
الفضول يصل بك إلى الغيبة والنميمة والبهتان يسهرك في المنام وتسهو بسببه في الصلاة. شكوكك تخلق فتنًا بين أبناء المجتمع الواحد. تدخلك في شؤون الغير مع عدم الحاجة إليك دليل على فشلك لأنك غير مؤهل. أصلح شأنك أولًا ثم وجه الآخرين متى طلبوا منك. علم لا يضرك جهله ولا تنفعك معرفته؛ في تركه الراحتين وبراءة الذمة. لا تكشف عورات غيرك تُكشف عورتك. وأخيرًا لتكن شريفًا محترمًا لا تكن ملقوفًا فضوليًا متطفلًا.