اصبر يا موسى.. عساه خيرًا!

كلمتان جميلتان تتواردان على ألسنتنا عند سماعنا ما نكره أو نسمع خبرًا لم تتضح فيه الصورة بعد: “عساه خير” أو “لعله خير”. بعض الأشياء في ظاهرها تبدو كارثة، مصيبة، وبلاء، وقد يكون ذلك! الدنيا دار ابتلاء لكن إذا صبرنا قليلًا نرى الوجهَ الآخر الجميل، وكل ما يفعله الله بعباده هو خير لهم! مشكلة مع زوج، تأخر قدوم ولد، في العمل، في التجارة، فقد، ألم، غربة، لا تستغرب إن كانت كل مشكلة لها وجهان!

في القرآن الكريم قصة بديعة فيها حركة وصورة، كانت بين نبي الله موسى والخضر ( عليهما السلام)، كلما اعترض موسى على فعل الخضر، قال له الخضر: اصبر يا موسى وسوف ترى وجهَ الخير! حتى إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: {رحمة الله علينا وعلى موسى، لو صبرَ لرأى من صاحبه العجب ولكنه قال:(إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي ۖ قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْرًا)}.

ركب موسى والخضر سفينة وفيها ركاب، فخرقَ الخضر السفينة خرقًا لا يُؤمن معه الغرق. أدهشَ ذلك موسى وأنساهُ ما وعده فقال: { أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا}! قال له الخضر: اصبر يا موسى، “لعله خير”! ظهر في حينه أنه كان عملًا مشينًا سيئًا، بينما كان ثمة هدف خير وراء ثقب السفينة وهو نجاتها من قبضة ملك غاصب، وكان هذا الملك يترك السفينة المعيبة ويصرف النظر عنها. الوجه الآخر كان حفظ مصالح مجموعة من المساكين يملكون أموالًا وثروةً لكنها لا تفي بحاجاتهم!

{لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا}، اعترضَ موسى فقال له الخضر: اصبر يا موسى عساه خيرًا! الوجه الآخر هو أن الفتى الكافر والعاصي قد يكون سببًا في انحراف أبويه! قيل إن الغلام الذي قتله العالم “الخضر” حين كان مع موسى أبدل الله والديه بجاريةٍ ولدت سبعين نبيًا!

في آخر القصة، كشف الرجل العالم “الخضر” عن السرّ الثالث الذي دعاه إلى بناء الجدار ليريَ موسى الجانب الآخر من “لعله خير” فقال له: {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ}.

فلسفة الأشياء وحقيقتها لا يعلمها إلا الله وما على العبد إلا الرضا والتسليم وسيرى أن الأمر وإن اشتدت كراهيته له لم يكن إلا خيرًا. أما حقيقتنا فإن موسى -النبي- لم يسكت واعترض! فإذا اعترضنا إنما لأننا أضعف من موسى (عليه السلام)!.



error: المحتوي محمي