لم يكن اللقاء بالأستاذ الدكتور أحمد ابن الشيخ محمد المعتوق لقاءً عاديًا حين استضاف مجموعة من أدباء وشعراء ومثقفي قطيفنا العزيزة، في جلستهم الأسبوعية “صهيل الكلام”.
وليس كثيرًا إن ادعيت وقلت أنه كان مدهشًا في كل تفاصيلهِ، والتي لم يتح لنا فيها هذه القامة العلمية والأدبية والثقافية الفارعة، فرصة لنبدأ الكلام حين افتتحه مسترسلًا بعد التحية وسط صمت وإصغاء لافت من الحضور، خاصة ممن لم يكن يعرفه مسبقًا، ومنهم العبد الفقير، الذي لم أنتبه لأني كنت فاغرًا فمي إلا حين نويت المشاركة في الحديث، وذلك من فرط دهشتي وأنا كغيري أستمع له.
زيارة نوعية بدعوة كريمة من الدكتور أبي باسم، حرص أكثرنا عليها لأسباب مختلفة منها معرفة الدكتور عن قرب، وإن كانت سيرته التي قرأناها وسمعناها قد سبقت زيارتنا، والتي لا أظن أن هذه المساحة تستوعب ما يمكن أن نفرغه ونفصله عن هذا الرجل الشامخ شموخ تاورت، تلك الجزيرة التي حملته وأنجبته وربته واحتضنته صغيرًا ويافعًا، قبل أن يبدأ مسيرة كفاحه والتي لا أتطرق لها هنا بالتفصيل حتى لا أبخسه حقه، حيث إني حديث التشرف بمعرفته وأحتاج للتفرغ حتى ألمَّ ببعض جوانب حياته المكتنزة بالعلم والمعرفة والأدب وحدث ما شئت.
لم أتعود نهج الصياغة الأدبية في كتابة المقال حتى وإن كان المنحى أدبيًا أو ثقافيًا تحاشيًا الحشو، أو لرصد الرقيب الأديب والناقد، فما بالك بأن أتجرأ بالكتابة عن رجل في قامة الدكتور وهو الذي يشكل أمة في شخصه الكريم، ولذا أهرب للكتابة العامة دفعًا لما أسرُّه في نفسي.
لم يدر في خلدي أن تلك المجموعة الفاخرة من الكتب التي كانت تزخر بها الطاولة المستديرة وسط مجلسه ذات القطر الذي لا يقل عن متر ونصف تقريبًا، تضم مجموعة من بعض مؤلفاته التي لا يدري عنها بعضنا، ولن أشغل القارىء العزيز بسرد عناوينها وتاريخ إصدارها، ويمكن الرجوع لها من مصادرها، فضلًا عن المقالات والبحوث وقصائد الشعر المتناثرة هنا وهناك بين الكتب والمجلات والجرائد في مختلف أقطار الدنيا ومكتباتها باللغتين العربية والإنجليزية، وهو الذي يتقنهما فضلاً عن إجادته اللغتين الفارسية والألمانية.
الأستاذ الدكتور المولود عام 1368 هجرية، من أسرة علمية كريمة، فوالده هو الشيخ محمد تقي المعتوق ابن عم المرجع الديني الشيخ عبد الله المعتوق -رحمة الله عليهما- كان أستاذًا للدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وقد عمل في سلك التعليم بالمملكة وخارجها وفي مجالات تخصصه، وهو الحاصل على درجة البكالوريوس والماجستير والدكتوراه من الجامعات الأمريكية فضلًا عن دراسته الحوزوية في النجف، وتشكله الأدبي والثقافي هناك.
يسرد الدكتور الكبير بعضًا من سيرته وكفاحه محلقًا في فضاءات العلم والمعرفة محصلًا ومعلمًا وباحثًا وشاعرًا وكاتبًا وقاصًا وغير ذلك مما لا يتسع ذكره، الأمر الذي شدَّ الحضور ليتسابقوا في طرح الأسئلة تارة، وأخرى بتبادل الحوار ولم يغفل البعض الثناء عليه بين جنبات الحديث.
قرابة الساعتين والنصف لم نشعر بمرورها إلا حين قال لنا عسى ما أخرناكم مما جعلني أتمنى عليه مفاهكًا وبعفويتي أن نبقى للفجر إن سمح لنا بذلك، وهو لم يفوت اللحظة تلك حين بادر بطلب أن تتكرر الزيارة، وأن تكون ممنهجة وعملية، وقد طرح بعض الأفكار التي تستحق العناية، ولا أقل من أن يجلس أمثالي بين يديه، لننهل من معينه العذب ومكنوزه الثقافي والعلمي قدر استطاعتنا واستيعابنا.
أود هنا وباختصار قبل الختام أولاً أن يبادر المهتمون بالشأن الثقافي في قطيفنا الغالية بالاطلاع على سيرة هذا الإنسان السامق، والذي عاش بعيدًا عن القطيف فترات ليست بالقصيرة سواء في غربته خارج الوطن، أو جوار جامعة الملك فهد أثناء فترة تدريسه لدرجة أن بعض أبنائه كانوا لا يعرفون شيئًا عن القطيف فضلاً عن تاروت ديرتهم الأصل.
وثانيًا وهو الأهم والذي نكرره دائمًا، بخصوص التقصير الذي يتحمله المجتمع بأسره في حق هؤلاء، ومن هم على شاكلة الدكتور المعتوق حفظه الله تعالى، فلا يعقل أن نغفل عن هذه القامات الكبيرة دون أن نستفيد منها وننهل من مناهلها وتستفيد أجيالنا مما نثروه من علوم ومعارف في المكتبات والمدونات وخلافها،
يضاف لذلك الغفلة عن تقديرهم والاحتفاء بهم، وشكرهم قولًا وفعلًا، وأن نقيم لهم ما يستحقونه من تكريم مباشر، يشعرهم بمكانتكم بين بني جلدتهم وأهلهم وفي الأرض التي احتضنتهم.
نريدهم أن يروا ذلك عيانًا وهو أقل ما يمكن أن يكافؤوا به، وإن كان ما قدموه لا يقدر بقيمة عينية، فلا أقل من أن تكون القيمة المعنوية هي الحاضرة، ولربما تكون هي الخطوة الكافية عندهم، والواجبة علينا تجاههم.