الإنسان كائن عجيب، أبرز ما فيه؛ قدرته الخارقة على الانطلاق من لا شيء، حين يريد الحصول على مبتغاه، فتراه إذا رغب بالفوز؛ انتقم من نفسه بإجهادها وتحميلها أكثر من طاقتها، وبعد فوزه؛ يتوقف الانهمار النفسي، والتفاعل مع الحدث؛ ليعود إنسانًا عاديًّا، لا يتميز عن الآخرين بشيء، فما سرُّ هذا الاندفاع، وإلى أي شيء تُعزى أسبابه، وهل هو حالة طبيعية، أم مرحلة طارئة؟
لكلِّ إنسان قدرات جسديَّة ونفسيَّة، تساعده على مغالبة الظروف، ومجابهة الأزمات، وصولًا إلى تحقيق أحلامه وآماله وتطلعاته، فالمرء لا يمكنه العيش بدون التفكير في “المستقبل”؛ ما الذي سيفعله، وكيف سيفعله؟ إذ هنا يكمن سرُّه العميق، وروعته التي لا تنتهي.
المستقبل كلمة السر، حين يدور الحديث عن الاندفاع النفسي والأهداف والطموحات، فما يسير بالإنسان إلى الأمام؛ إنما هي أحلامه وطموحاته، التي إن غابت انهار وسقط في براثن الوساوس، وبات بلا فائدة، لكن إن حضرت ستتعزَّز اندفاعته، وتغدو ذاته أكثر توهجًا وميلًا إلى “منافسة” الآخرين.
المنافسة هي الأساس الذي تنطلق منه كل الأسرار الإنسانية، حين يتم الحديث عن الدافعية، فالإنسان دون منافسة سيفقد الحافز المساعد على الانطلاق، فكلما تعاظمت المنافسات، وارتفعت وتيرتها؛ أضحى المرء أكثر تفاعلًا، وأحرص على الفوز وتحقيق النصر؛ من أجل تحويل آماله وأحلامه إلى واقع ماثل أمام عينيه، وبهذا يتمكن من تحقيق وجوده، واكتساب “شخصيته المستقلة”.
الشخصية المستقلة أهمُّ وأثمنُ مكاسب الإنسان، إذ ترتبط بذاته، وتحقيق وجوده، فتلازمه لنهاية حياته، ولو قُدِّر له أن يرحل عن الدنيا، ستغدو “سيرة إنسانية” تتناقلها الألسن، وتدونها الثقافة على جدران الذاكرة، فمحافظة المرء على شخصيته المستقلة واهتمامه بتطويرها وزيادة زخم منجزاتها إنما هو من أجل الوصول بها إلى مرتبة عليا من مراتب تحويلها إلى سيرة، تسير بين الناس، فيفتخرون بها وبصاحبها.
الفخر بسيرة الشخصيات الناجحة القادرة على تحقيق الإنجازات عملية اجتماعية طبيعية، تحصل في مختلف البيئات البشرية، الساعية إلى التطور والارتقاء، وزيادة رصيدها من الرفعة والعلو، فالمنافسات المجتمعية تتعلق بهؤلاء الناجحين؛ الذين يقدِّمون لمجتمعاتهم الفخر، عبر إنجازاتهم المتفوقة، فلا غرابة أن يتم تكريمهم، والاهتمام بهم، ونشر أخبارهم، فهذا أقلُّ ما يمكن تقديمه؛ لأجل “تحفيزهم”، وتحفيز بقية أفراد المجتمع.
التحفيز أبرز سلوك لبناء الشخصية المستقلة الناجحة، فالمجتمعات المتطورة تبحث في كيفية تحقيق التحفيز لهدفه على الناشئة والصاعدين الذين يُنتظر منهم تأدية أدوار من سبقهم، والإضافة عليها، وزيادة زخمها، وحين يمتد بهم العمر، سيتسلمون زمام المسؤوليات، إذ دوران الزمن لا يتوقف، وما بدأ صغيرًا سينمو ويكبر، وحين يصل المرء نهايات رحلته؛ سيفسح الطريق لمرور آخرين أكثر حيويَّة واندفاعًا، ولن يهمل مراقبتهم، والعمل على دفعهم؛ لتجاوز عثراتهم، وتحقيق ذواتهم، ولو بصورة غير مباشرة، عبر التحوُّل إلى “سيرة ناجحة”.
يسكن الإنسان ما بين الإخفاق والنجاح، حيث يسعى في جميع أحواله إلى تجاوز إخفاقاته، والوصول إلى تحقيق آماله وتطلعاته، ببذل الجهد وصرف الوقت، فالهدف من وراء وجوده على الأرض؛ إنما هو البحث عن تحقيق ذاته، وتعظيم منجزاته، وزيادة رصيده من النجاح، وهي حالة طبيعية ترافقه منذ ولادته حتى رحيله، وفي أثناء ذلك قد تصيبه العثرات، وتخذله المجهودات، فيسقط فريسة إخفاقات متكررة، وهزائم متلاحقة، تخبو فيها نيرانه، وينطفئ توهجه، ويكون في أمسِّ الحاجة إلى “المساندة”، والإيمان بقدراته؛ لتجاوز عثراته، والانطلاق مجددًا لكتابة المجد، وصياغة التاريخ.
المساندة تأتي من الداخل قبل الخارج، فالمارد النائم في أعماقه حين لا يستفيق لن تفيد المساندة الخارجية، ولن يصبح لها أيُّ تأثير، وسيغدو عاجزًا عن تحقيق ذاته، وتعظيم إنجازاته، والتحوُّل إلى سيرة، تتناقلها الألسن من جيل إلى جيل.