بعض أحرفنا لا نستطيع أن نجسدها في كلمات، تقف عاجزة عما نشعر به، لم يكن مساء الخميس كبقية الليالي؛ إذ حمل في طياته الألم والحزن جعل الكون قاتم السواد، جعل نبض قلبي توقف عندما جاء خبر موتها، رحلت قبل أن تودعني، خطفها الموت فجأة، ونحن ننتظر خروجها من المستشفى، عانقت روحها خيوط السّماء، غيماته الزرقاء، خبر مفجع، نزل على قلبي كالصّاعقة، كنت أتابع تفاصيل مرضها الأخير، وأنا في المدينة المنورة، اتصلت على ابنة خالتي جميلة، وأنا في السيارة أثناء عودتنا من زيارة المساجد المقدسة، شعرت بوخز في قلبي، توجست من الخطر، ومع تصاعد أحداث المرض قلت لنفسي الرافضة لتقبل الوضع بأن خالتي العزيزة راحلة إلى أمي حيث لا طريق للعودة.
حلقت روحها الطّاهرة إلى السّماء في ليلة عظيمة، تتضاعف فيها الحسنات، لا أزال أعيش الصّدمة، هل رحلت فعلًا؟ هل ماتت خالتي الوحيدة رائحة أمي؟! آهاتي مسجونة، بعيدًا عن حضورها، لم رحلت قبل أن أودعها؟ ألم تكن في شوق للقيانا، تعد اللّحظات والثواني لرؤيتنا عند حجز موعد لملازمة كورونا؟
رائحة الذكرى، تبعث في قلبي الألم، تحمل عبق الماضي الجميل لخالتي الجميلة قلبًا وقالبًا، كم دعوت الله أن يبعد عنها كلّ وجع وألم، هل رحلت فعلاً أم هو كابوس مزعج سنفيق منه قريبًا؟!
نرحل من هذه الدنيا روحًا في كلّ مرّة يموت فيها عزيز لدينا، فلا يتبقى منّا إلا أشلاء متناثرة لبقايا إنسان، يلفه السّواد، نخرج من باطن الأرض لنعود إليها، ونفارق الأحبة ليبقى وجع الفراق، يقتات من أرواحنا.
الخيار بين أيدينا، إما أن يكسرنا الألم أو يجعلنا أقوى مما كنّا عليه، هل هذه حقيقة أم أن آهاتنا المدفونة تنهش في أجسادنا؟ تحيلنا إلى مومياء؟
لم تكن خالتي أم وجيه امرأة عادية، بل كانت استثنائية بمزاياها، تملأ الطيبة نفسها الزكية، تفخر الطيبة إن جاءت لتصفها، قضت ما يقارب عشر سنوات طريحة الفراش، مؤمنة بقضاء الله وقدره، لم نسمعها يومًا تشكو من ضيق أو ألم، أو تذكر إنسانًا بسوء، ورغم ما نالها في سنواتها الأخيرة من آثار المرض إلا أننا لا نسمعها إلا شاكرة ربها غير شاكية إلا لخالقها.
كم ذاب قلبي شوقًا لاحتضانها، إذ تبدد عمري بالغياب، لحظات الانكسار مؤلمة، حزينة، تجد نفسك حينها عاجزًا، كلّ شيء قابل للتعويض إلا قلبها، عبق حنانها، جف نهر حنانها فأصبحنا بلا مأوى، فهي بمثابة الأم لنا فقدت بغيابها رائحة أمي.
قد كانت -رحمها الله – عندما أتأخر بالاتصال أو الزيارة، تبادر بالاتصال، والسّؤال حتى إني أخجل من نفسي فأبادر إلى زيارتها عاجلًا.
وفي اللّيلة السابقة لموتها أخبرتني جارتنا الطيبة، والتي تعتبر أمي والدتها أنها شاهدتها في المنام بأجمل هيئة فقد جاءت لاستقبال روح أختها الوحيدة
رحم الله خالتي المؤمنة كربلايه (كربلاء) حسن الرمضان -أم وجيه- رحمة الأبرار، وجمعنا بها في الجنة.