نتأمل الطريق ونتأمل المناسبة التي تأخذنا لتك البقعة لذلك المكان وإن بعدت المسافة فالمعنى الحقيقي في ما يجمع الناس والناس هناك جميلون ورائعون ويملكون ما لا نملك من التحمل والصبر، أجل يملكون القدرة على الاحتفاء بالشمس ومصافحة العرق واحتضان التعب يوزعون الابتسامات ويعلمونا التسامح ويحفرون في ذاكرتنا أيامًا بلا سواد.
هكذا كان ذو العربة ذو اللحية البيضاء الرجل الطاعن في السن، كان يجر العربة من بيته إلى سوق الخضار “صفوى” كل يوم بلا ملل بلا تبديل بلا تغيير مكافح في ممشاه يبحث عن رفرفة الأطفال البريئة الذين هم بدورهم ينتظرونه ليغرف لهم من ذلك الوعاء الذي هو الآن يفقد صاحبه، يبحث عن الرجال ويبحثون عنه لأنه عمق السوق وبغيره يكون الحي معدوم الروح.
تخيل أن تفقد يوم “حلو عاد” القرينشون يوم النصف من رمضان نعم هو كان بمثابة الحدث بروح الموقف بجمهرة الأثر كان كل هذا المعنى بمعناه الحقيقي، إذا لم يجد هناك المكان يفقد لونه يصبح أسود وأبيض تنعدم الألوان في شعور الأزمنة والأمكنة، فما أجمل اللقاء حينما نلقاه وقبلة على الرأس الذي يستحق أن تكون لنا علاقة به كعلاقة التجديد بالأهل والوطن.
رغم تنوع الحياة والكثير مما طرأ عليها من مهن شتى وأحوال الناس في مسير دائم إلا أن شخصيتنا الرجل المؤمن الجميل الخلق والخليقة لم يتغير إنه الحاج أحمد بن رضي بن محسن آل محسن “أبو حسين” (رحمه الله) مكافح من زمن الطيبين من زمن الكادحين البسطاء، مشهور ببلدته الحبيبة صفوى كان كل يوم يجر عربة “قاري” لبيع البليلة حتى آخر عمره.
كان مربيعًا صالحًا فاضلًا خادمًا لأهل البيت ومتمسكًا بنهجهم عليهم السلام، في أصعب الظروف لم يمد يده لأحد كان غني النفس صابرًا محتسبًا بقضاء الله وقدره مرت عليه مصائب وتجاوزها بإيمانه وصبره، نعم في بداية حياته العملية كان صيادًا كأي بحار يلتقط من البحر قوت يومه، وبعد فتره تحول الصياد إلى مزارع عمل موظفًا في (نجمة) برأس تنورة، ثم انتقل إلى مدينة الجبيل الصناعية وقدر له بحادث شنيع مكث على أثره سبعة شهور في المشفى وبعدها لم يستطع العمل والذهاب لخارج بلده فعمل في تلك المهنة التي يبيع فيها “البليلة” وهذه هي سبب شهرته ومحبته الناس، كان يعطي الصغير دون مقابل حين يلتمس فيه عدم القدرة على الدفع وحتى الكبار كانوا في حوزة تلك المكرمة من الكرم.
فرحم الله أبا حسين رحمة الأبرار وأسكنه الله فسيح جنته إنه سميع الدعاء، ورحم الله من يقرأ لروحه وأرواح المؤمنين والمؤمنات الفاتحة.