أضف سنوات إلى حياتك.. وحياة إلى سنواتك.. فالدافع للثمن هو أنت..!

قبل البداية لا بد من القول بأن التوعية من أهم الأسلحة التي يجب أن يتزود بها الإنسان في حربه ضد المرض الذي يضرب جسده، وسعيًا نحو تحقيق هذه الحماية، رسخت لدينا عقيدة لا تتزعزع بأن “صحتنا نصنعها بأيدينا” أحاول في هذه المقالة أن أوضح بوجه عام أهمية السلوك أو طريقة التفكير أو أسلوب الحياة ككل وعلاقتها بوضعية أجسامنا وما يعتريها من مشكلات، خصوصًا مع تقدم العمر حيث تتأثر بنية الجسم وأجهزته وأعضاؤه بما يمر به من مشكلات حياتية.

وبادىء ذي بدء، إن جسدك أشبه بسيرة ذاتية متنقلة حيث يعكس التكوين من عضل ولحم، تجاربكم وإصاباتكم ومصادر قلقكم وهمومكم ومواقفكم سواء كانت وضعية جسدكم مقوّسة ومشدودة أو منتصبة ودفاعية، فإنكم تتعلّمونها في مرحلة مبكرة من حياتكم فتصبح من صلب بنيتكم. فنحن نخزن مشاعرنا وتجاربنا وذكرياتنا ليس في عقولنا فقط، بل في أجسادنا وفي خلايانا وفي جلودنا وبكل جزء من جسدنا.

إن من المعاناة حقًا أن نرى علامات الضغط والتعب وانحطاط القوى الحيوية واضحة من خلال وضعية أجسامنا المرتبطة بصحتنا العامة، والتي أصبحت سمة جديدة لهذا العصر، لقد كُتِبَت الكثير من المقالات والتحقيقات في الصحف والمجلات وعبر قنوات التواصل الاجتماعي حول موضوع العادات المدمرة وسوء التغذية وإهمال الرياضة البدنية، منها ذات الصبغة الصحية البحتة، ومنها ما بالغ في التحذير والتشاؤم.

أجسامنا ليست ثابتة، بل تتمدّد وتتقلص مع تنوّع النظام الغذائي وبسبب ممارسة الرياضة والمرض، كما أنها تتغير مع تقدمنا في العمر، حيث تصبح مختلفة بشكل ملحوظ في نهاية حياتنا عما كانت عليه عند الولادة، وبطريقة مشابهة، فإن مواقفنا تجاه وضعية أجسامنا، أي كيف نتعامل مع أنفسنا وكيف نتحرّك، تتغير بشكل دائم.

غالبًا ما تقوم بتفسير وقفة الأشخاص ومشيتهم كدليل على أن المرض أو الصحة الجيدة أو الجمال أو القبح أو الأناقة أو القوة أو الضعف، هذه المفاهيم المتغيرة لوضعية الأجسام ليستكشف كيف يمكن لتفاعل المحيطين بنا مع مظهر أجسامنا أن يشكّل نظرة المجتمع إلينا وما يمكننا القيام به حيال ذلك. فالمظهر الحيوي يكشف الواقع بشكل رهيب، مقومات الصحة أو انعكاسها تلوح في وجوه الأصحاء بصورة واضحة من خلال هذه العلامات الحيوية مثل: لون جذاب، وشعر رائع، وعينين براقتين، وأسنان جيدة، وجسم سليم، وقوة عظيمة، لإظهار كيف أننا استخدمنا فهمنا لوضعية أجسامنا لتحديد من نحن وما لسنا عليه.

إن الاضطرابات العنيفة، وخيبة الأمل، والهموم والقلق هي نتائج ظاهرة على الكثيرين من الناس، فهم يواجهون الاضطرابات الصحية الخطيرة التي تحدث نتيجة الإهمال أو الجهل وحرمان جسمهم من العناصر المغذية، والنشاط البدني، والراحة، والنوم الجيد، والعيشة الهادئة المتزنة، كل تلك الأشياء مجتمعة تعطينا الصحة والقوة، فلكل منها مهمته ودوره الحيوي.

الإجهاد مشكلة جسدية – نفسية ازداد تفشيها بسبب نمط الحياة الحديثة، البعض يحاول مواجهته بطرق ضارة مثل التدخين أو الإفراط في تناول الأطعمة المصنعة أو السهر أو الجلوس لساعات طويلة من دون عمل.. وكل ذلك لا يؤدي إلا إلى زيادة الطين بلّة.

إن أمراض التهاب المفاصل، وارتفاع الضغط، والسكري وأمراض القلب وغيرها من الأمراض الكثيرة لم تعد معدة الآن أمراضًا عابرة، وإنما أصبحت أمراضًا مزمنة تلازم الشخص طوال حياته. والسبب الأكبر لهذه الأمراض هو عدم الاهتمام بالصحة العامة، فازدادت أعداد الفئة العمرية من 20 إلى 65 سنة من الذين يعانون مرضًا أو أكثر من أمراض العصر، إنها من سلبيات الزمن المعاصر.

كثيرًا ما يشكو بعض الناس ممن تجاوزوا الخامسة والثلاثين من العمر من آلام المفاصل وعدم القدرة على أداء الواجبات المطلوبة على أكمل وجه، خلافًا للعادة، في هذه الفترة من العمر والتي يكون فيها في أمس الحاجة إلى قوة جسدية تعينه على مصاعب الحياة، فيجعل الجسم هزيلًا لا يقوى على الحركة، وبدأنا نلحظ الشباب فما فوق يجلسون كثيرًا ويأكلون كثيرًا، بدأ الترهل وشكل السمنة يزحف على بعضهم، نحن نواجه اختلافًا حضاريًا في القيم والأصول والعادات في مجتمعنا الأصيل.

ولعل ما يهمنا هنا حقيقة التأثيرات السلبية والعواقب المترتبة الفعلية جراء التعود على ممارسات حياتية خاطئة وعادات غذائية مدمرة، والتي أصبحت سمة جديدة لهذا العصر.

لا تكاد تقع عليه العين حتى تدرك أن حركاته تستدر العطف، شاب لا يتجاوز عقده الثالث، وجدته منهوك القوى، الصفرة والتجعدات ترتسم على وجهه، يترنح أمامي في قامة تفككت أوصالها وماع جذعها حتى لا يقوى على الوقوف، ولا تخطو قدمه إلا متكئًا على عكاز، منحنيًا، مقوس الظهر، أما أطرافه فلا تنفك ترتعش في شكل حزين، جلس وقد بدا عليه علامات التعب وانحطاط القوى الحيوية واضحة على محياه، وقد أنهكه التعب خلافًا للعادة، هذه هي حالة شباب اليوم، يختلفون فيه اختلافًا جذريًا عن جيل شباب الأمس الموفور الصحة والحيوية والنشاط، هي مرحلة عمرية محدودة بسنوات، ولهذا يختارها ويقترب منها من يشاء، وبقدر المستطاع، ففي الماضي، كانت ظاهرة الشباب تعني الجمال والجاذبية الجسمية، والروح النضرة التي ترى مستقبلها أمامها، وتعني أيضًا القدرة على الحركة والتغيير والتعبير عن الذات بأكثر الطرق وضوحًا وواقعية، ولهذا نجد أن الفئة العمرية المتقدمة كانت راغبة في أن تكون الحدود الفاصلة بينها وبين هذه المرحلة مختلطة ومبهمة، وكنا نرى من جيل كبار السن الذين يعيشون مرحلة الشباب بروح التحدي والمغامرة، ويحافظون على روحهم نضرة جذابة.

والسؤال هو: متى نرى الشباب الذين يعتنون بجسدهم ويظهرون في كامل صحتهم، وذروة نشاطهم وحيويتهم؟! أعتقد أننا محتاجون بدرجة كبيرة إلى أن نجد الوصفة السحرية، التي تقضي على تلك الأجسام المتهالكة؛ ولأنه غالبًا ما تكون عوامل الإجهاد خارجة عن السيطرة، لذلك علينا فهم لغة النفس والجسد للأعراض والأمراض تمكننا من إيجاد طريقة ما نكتشف من خلالها أهمية علاقة الجسد بالروح وتأثير نوعية الحياة على الصحة البدنية، خصوصًا مع تقدم العمر يتأثر بما يمر به من مشكلات حياتية، وقد يخيم تقدم العمر على الكثير من الناس بظلام محزن، ويشكل لهم كابوسًا مخيفًا، فهم يواجهون اضطرابات صحية خطيرة تحرمهم من الراحة والنوم الجيد والحياة الممتعة، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، كيف يمكن الدفاع عن علامات التقدّم في العمر أو الشيخوخة بينما تصطف جميع قوى الثقافة المعاصرة ضده؟ الاستسلام لحياة شاحبة تختلف عن الحياة الممتعة المملوءة بالمغامرات التي نتخيلها في مرحلتي الطفولة والشباب ومن الذي يريد ذلك؟! لم يفت الأوان بعد لكسب هذه الفوائد مهما كان عمرك، تحرك الآن وابدأ الحياة، تستطيع صنع جسمك وصحتك ومستقبلك كما تريد بفضل عزيمتك وإرادتك التي لم تضعف، يمكنك أن تزيد بشكل مميز من العمر، أو من سنوات الصحة التي تتمتع بها بإذن الله تعالى.

أذكر رجلًا كان في حالة سيئة جدًا زمنًا طويلًا، فهو مصاب بالنحافة المفرطة والأرق والعصبية والإمساك والتهاب الأعصاب، وكان يلهث أثر كل جهد يبذله، وفي سن الخامسة والستين واظب على نظام غذائي صحي يوفر لجسمه حاجاته ، واتخذ لنفسه قاعدة مطلقة وهي تجاهل الضغط والقهر والغضب والانفعالات.. التي كانت تلازمه طوال حياته السابقة، كونه عرف تمامًا مقدار الثمن الباهظ الذي دفعه خلال السنوات الستين الماضية، فراحت صحته تتحسن على مر الأيام، واستعاد قوة الشباب، وشعر بأنه أحسن حالًا وأشد قوة، وأصبح نشطًا دائب النشاط كالنحلة، وفي سن الخامسة والثمانين ظل مستقيم القامة، وكانت شيخوخته مفعمة بالنشاط والقوة في جسمه وعقله وبصره، وحياته الطويلة منسجمة مع رغباته، فكان يقول: إنه يعيش عمرًا دفع ثمنه نقدًا؛ لأنه ربحه بجهوده التي أعطت ثمارها.

فكِّرْ بإيجابية، فبدلًا من أن تقول لنفسك: “لن أكون كسولًا خاملًا بعد اليوم” بل قل: سأبدأ بالاعتناء ببدني بشكل أفضل، وسأكون أكثر قوة وأحسن صحة، لكي أشعر بطعم الحياة ألذ وأطيب، وسأظل محتفظًا بمظهر حسن، وسأشعر بالثقة في أنني قمت بكل ما أقدر عليه لحماية نفسي وجسدي.
مما سبق نخلص إلى القول أننا بحاجة ماسة وسريعة إلى تغيير في نمط حياتنا العصري، أيًا كانت الأسباب لا يجوز أن تُترك العناية بالصحة أبدًا، فإن الدافع لثمن الإهمال في العادات الصحية الجيدة هو أنت، ولعل استدراك مثل هذا الثمن وتفادي دفعه يبدأ معك من بداية تخطي ظل الشباب وقبل الوصول لمراحل متقدمة من العمر، باتباع أسلوب حياة جديدة، تساعد على بقائك موفور الصحة، وتبعدك عن ضرائب وأثمان تدفعها جهدًا ذهنيًا وبدنيًا لن تتركك إلا بانعكاسات تظهر في جسمك، إنه لأمر غريب أن يحدث هذا الانحطاط الجسدي المحزن في العصر الذي توجد فيه وسائل بناء الصحة بوفرة، ننتظر اليوم الذي نستيقظ فيه ونحن نشعر بالصحة تدب في جسمنا، ونزاول أعمالنا بعافية تامة، فرصيدنا بعد الأعمال الصالحة والنبيلة والحمد لله هي النعمة والصحة والعافية.


منصور الصلبوخ – أخصائي تغذية وملوثات



error: المحتوي محمي