عن التجربة.. وما لا نراه فيها!

ينجح المصور الفوتوغرافي حين يحكي قصةً عبر صورة، يصنع من الزمان والمكان والأشخاص مشهدًا يمتد لأكثر من مجرد “التقاطة”، يقف عندها الرائي ليقرأ ذلك المشهد ويسمع ما يتضمنه من حوارات.

كذلك يبدع الكاتب حين يرسم مواقف روايته، ويجلس القارئ في مقعد المشاهد الذي يرى الشخصيات ويعيش معهم لحظاتهم المختلفة.

يحدد خلود الصورةِ في عقل الرائي صبغة المشاعر التي يحرص المصور على توجيه العيون نحوها في المشهد، تمامًا كما يحرص الكاتب على ذلك في روايته. وهذه الصبغة أو “الطبقة” هي التي ترتقي بمستوى تلك الأعمال، فكلا الصانعين لتلك المشاهد معنيّان بإبراز تلك الطبقة بتفاصيلها المتفاوتة في التجارب المروية للمتلقي بشكل جلي.

طبقة المشاعر المختلفة تلك – وبالرغم من أهميتها – لا تكون ظاهرةً بالضرورة في حياتنا اليومية كما هو الحال في الصورة أو الرواية. لماذا؟!
لأننا حين نشهد تجربةً ما لأحدهم، أو نسمع عنها، فنحن لا نراها إلا من منظور محدود لتلك التجربة، لا يخدم طبقة المشاعر التي تكمل المشهد، فأصحاب تلك التجارب غير معنيين بمشاركة مشاعرهم مع الآخرين، إلا إن أرادوا الحديث عنها، وقد لا يستطيعون وصفها بشكلٍ صحيح حين يفعلون ذلك.

غياب تلك الطبقة من تفاصيل المشهد يؤثر سلبًا في أحكامنا على تجارب الآخرين، والتي في مجملها لا تكون مطلوبةً أصلًا.

يقابل ذلك حق الوصاية الذي نمارسه على أصحاب تلك التجارب، فنلومهم على قراراتهم الحياتية دون فهم الصورة الكاملة، وننكر عليهم ترك وظائفهم دون أن نلم بقائمة الأولويات لديهم، ونظهرهم بمظهر المستبدين أمام أبنائهم حين يعطونهم نوعًا واحدًا من الحلويات بدلًا من أربعة.

المشاعر كالفرح والحزن والفخر والخجل والثقة والخوف تتكون لدينا تبعًا لفهمنا لنتائج التجارب المختلفة وموقعنا فيها، وأيضًا حسب مقاييسنا المختلفة في النجاح والفشل والاجتهاد والكسل.
وكل هذه الاختلافات تجعلنا نتأمل دورنا الفعلي مع من حولنا في تجاربهم المختلفة، والتي – في معظم الأحيان – تنصب على الإنصات أولًا ومساعدتهم على التفكير ثانيًا، وذلك لاستكشاف الخيارات المختلفة قبل أخذ قراراتهم، فممارسة أساليب الوصاية تزيد – غالبًا – من كبتهم لمشاعرهم مع مرور الأيام بدلًا من الإفصاح عنها، وتكون النتيجة فجوةً في علاقاتنا معهم بدلًا من الثقة بنا والاطمئنان لنا.

هناك الكثير ممن يبحث فقط عن أذن مصغية لينفث ما به من هموم وضغوط حياتية، دون طلب لنصيحة أو حكم أو نقد، وقد يكون في حديثهم معنا تفكير مسموع لهم يعينهم على اتخاذ قرار غاب عنهم دون أي تدخل منا في ذلك.

فهم طبقة المشاعر في تجارب الآخرين هو ما يجعلنا قادرين على إفادتهم ومساعدتهم إن احتاجوا لذلك حتى دون طلب، أما حين تغيب عنا، قد يكون للتدخل ضرر أكبر من النفع.



error: المحتوي محمي