القرآن الكريم في حياتنا

ماذا نعني بدستورية القرآن الكريم للمسلمين وكونه مرجعية فكرية وسلوكية، ترشدهم إلى طريق الهدى ومعالي الأخلاق والتكامل الإنساني في عالم الفضيلة؟

القرآن الكريم يقود حركة العقل البشري نحو الوعي والنضج من خلال سرد القضايا الكونية الدالة على مبدأ التوحيد، ولذا نجد كثيرًا من الآيات تحث على التفكر والنظر في الظواهر الطبيعية من حولنا ودقة النظام فيها، كما أن سرد قصص الأنبياء والأمم السابقة تأخذ مساحة من الذكر والتفصيل؛ لأخذ العبرة والتأمل في خطايا السابقين والشبهات الفكرية التي ساقوها وكانت سببًا في انحرافهم وضلالهم، وبين دفتيه المواعظ والتوجيهات الأخلاقية الداعية إلى طهارة النفس والاستقامة والترفع عن الرذائل والعيوب، فإذا كان القرآن الكريم المرجعية الفكرية والسلوكية للناس والموجه نحو تنظيم الحياة وترتيبها بناء على الحاجات الروحية والمادية وتنظيم العلاقات الاجتماعية بما يحقق الأمان والسلام، فهل نجد ذلك الإقبال الجاد نحو تلقف مضامين آياته بكل اهتمام، أم هناك مجافاة وبعد غير معهود فلا ترى كتاب الله تعالى إلا مركونًا على الرفوف قد علاه الغبار؟!

لعله يكون من الغرابة بمكان -بعد تحديد مكانة وأهمية القرآن الكريم عند المسلم- أن يسأل عن آخر عهده بالقرآن الكريم وتلاوته ولو تلاوة عابرة لا تدبر فيها؟

لا شك في أن الأمر مختلف بين الواحد والآخر، ولكن ما نركز عليه تلك الإجابات الصادمة والتي يتفوه بها من هو في علاقة هجران ومجافاة مع كتاب الله تعالى، وخصوصًا مع غياب التربية الأسرية ومتابعة الأبناء في علاقتهم بكتاب الله تعالى ومدى قربهم من تلاوته بحسب إمكاناتهم، فالبعض لا يرى صفحات الكتاب المنزل إلا في شهر رمضان، وهذا ما يوجب علينا إعداد التوجيهات المناسبة لعقول الشباب والفتيات وتشمل مجموعة من المحفزات والتشجيع على الانضمام إلى المدرسة القرآنية.

تبيان الآثار الدنيوية والأخروية لمعية كتاب الله تعالى وملازمته لها دور في إيجاد الباعث على العودة لهذه النورانية، والمهم هو المكتسبات ونقاط القوة التي تضاف لشخصية تالي القرآن الكريم، حيث التلاوة الحقيقية تشتمل على التأمل والتدبر في معاني الآيات، ومن ثم تكون الخطوة الأهم هي تجسيد تلك التعاليم في حياتنا وعلاقاتنا، فالقرآن الكريم عقيدة وخلق رفيع ورشد عقلي ومنطق سليم في التخاطب وتبادل الأحاديث والأفكار، وبحسب الاستعداد والتهيؤ النفسي والروحي للتخلق بأخلاق القرآن الكريم ننال شيئًا من جواهره، وكلما اجتهد وثابر الإنسان وبذل وقتًا في المطالعة وتدوين الملاحظات واستمع لتلك البحوث والمحاضرات القرآنية، استطاع أن يرفع مستواه الفكري والتحصيلي بزيادة المخزون المعرفي والثقافي عنده.

الأجواء الروحية مع ذكر الله تعالى لها تأثيرها على النفس بوقع الطمأنينة والثقة بالله عز وجل والأمل بتدبيره، فكل آية من آياته لها مضامينها وتأثيراتها على النفس إذا أقبل صاحبها بخشوع وإصغاء، فالقرآن الكريم منهج حياة يحضر مع الإنسان في تعاملاته اليومية وطريقة تفكيره وتهذيب نفسه لئلا تنجر إلى الخطايا والعيوب، فالضمير الواعي والبصيرة بالعواقب والنزاهة عن النقائص هي حصيلة معرفية وسلوكية تؤسسها المدرسة القرآنية، فهذه القصص القرآنية الحاكية عن أحوال الأمم الماضية -مثلًا- تحمل بيانًا للانحرافات العقائدية والأخلاقية المختلفة، والتي وقع فيها الناس بعد استجابتهم لأهوائهم وشهواتهم، وكذلك الأمثال القرآنية تتضمن تحريكًا لمدركات العقول وصولًا إلى حقائق ثابتة تضيف للمرء وعيًا.

تنشيط حركة التفاعل مع كتاب الله عز وجل تبدأ من المحيط الأسري، من خلال الاهتمام بمتابعة الأبناء في تلاوتهم لكتاب الله عز وجل وتقديم التفاسير المبسطة جدًا لمعرفة معاني الآيات الكريمة، كما أن لدور العبادة دورًا في تقديم الدروس والمسابقات القرآنية التي تثبت هويتنا كمتبعين لكتاب الله، ومبينة لمكانته كدستور نسير وفق تعاليمه، فالشبهات والأفكار المنحرفة يجابهها الشاب والفتاة من خلال عقل استرشد بكتاب الله تعالى ووعى ما فيه من تعاليم وإرشادات.



error: المحتوي محمي