لمسة وفاء

الدكتور حسين الماجد أيقونة الأشعة النووية

يا لسعادتي، بأنني كنت أحد طلاب هذا السيد الوقور والأستاذ في الأشعة النووية، عندما كنت طالبًا في كلية الطب، السنة السادسة وفي أول محاضرة له، أدركت أنه من نفس الفريق الذي أنتمي إليه ومن بني جلدتي، فسررت لذلك وانفرجت أساريري، وريثما انتهى سلمت عليه وتيقنت أنه كذلك، عندما سألته عن اسمه فأخبرني به، وسألني عن اسمي فذكرت له اسمي وأني من قرية الخويلدية فسر لذلك.

منذ ذلك عرفته أستاذًا هادئًا متسامحًا حمل الأمانة بإخلاص، وأعطى للحياة والناس جهده وخبرته، فسكن القلوب وكان “إكسيرها”.

تمتع بخصال حميدة، جلها الإيمان، ودماثة الخلق، وحسن المعشر، وطيب القلب، والتواضع الجم فأسر القلوب وسكن غرفها.

كان نعم الأب الحنون، والأخ الودود، كان نبراسًا يحتذى به في البساطة والوداعة، وطهارة النفس، ونقاء الروح، أعطى كل ما لديه بلا حدود في مهنة هي من أصعب المهن، إن لم تكن أصعبها بكل ما تحمل في طياتها من معانٍ في صلبها بناء الإنسان والحفاظ عليه.

لم يكن طبيبًا وأستاذًا جامعيًا فقط، بل كان مثقفًا جامعًا وقارئًا شاملًا، احتضننا ويحرص دائمًا على توجيهنا وتحفيزنا ودفعنا للبحث عن كل جديد.

سيدي الفاضل
تعجلت الرحيل بعد مسيرة عطاء عريضة، تاركًا سيرة عطرة وروحًا نقية، وعبق أريج نرجسية في ربى صديقة بالأزهار غنية، وشذى شجرة يافعة وميراثًا من القيم والمثل النبيلة.

فيا أيها الإنسان قبل أن تكون طبيبًا وأستاذًا جامعيًا، يا أيها النهر المتدفق الذي لا ينضب معينه، يعز علينا فراقك، في وقت نحتاج فيه إلى أمثالك من الرجال الأوفياء.

سيدي الفاضل، عجزت الأرض عن حملك فضمتك بين جوانبها، ولكن أين؟ في المدينة بجوار المصطفى، في الغرقد مع أجدادك الطاهرين، وفي أيام استشهاد جدك المسموم، حُمِلت على الأكتاف إلى البقيع، ولم ترم جنازتك بسهم أو بنبل كجنازة جدك، ولم يعترض أحد نعشك معترضًا على مكان دفنك، فنم مرتاح البال والضمير فهنيئًا لك هذا الجوار.

سيدي الفاضل، ستبقى في قلوبنا كلما نسنس ريح الشمال حاملًا عبق سيرتك العطرة، وكلما أشرق نور الصباح، بل كلما غرد الطير وناحت قمرية على فنن.

وما لي من وقفة على ما قلت إلا هذين البيتين.

مات الوقار ومات الطب أجمعه
منذ ارتقيت وغاب الخيم والشيم

حملت جهرًا على الأكتاف واعجبًا
ثقل الموازين لم يلحقهم السأم


د. حسن آل شيف
استشاري باطنية وأمراض صدرية



error: المحتوي محمي