الحب والحرية

أحب نفسي كثيرًا ويمتعني هذا الحب وأجد نفسي في حالة فرح وسعادة وأنا أستمتع بهذا الحب الذاتي، خصوصًا وأني لم أصل له إلا بعد عناء ولم أعرف حقيقته إلا بعد سنوات.

باستطاعتي أن أختصر أيامًا طويلةً وساعاتٍ كثيرةً وليالي من تنظيف المشاعر وإزالة غبار الوهم عن حب الذات إلى نتيجة (من عرف نفسه عرف ربه)
نعم من عرف نفسه واتصل بها وتأملها وعرفها على حقيقتها سينبهر، سيندهش، سيغرم بكل ما فيها وسيقدس نفسه ويقدر كل صغيرة فيها وسيعرف تمامًا أن مرجع كل هذا ومصدر كل هذا هو الخالق، وسيصل إلى ربه وسيتصل به وسيجد نفسه واقعًا في غرام وحبٍ حقيقي آخر، حب ممتع إلى درجة الخدر، ستجلس من نومك وأنت تشعر أنك مشتاق وهناك حنين، وكأنك في النوم قد غفلت عن هذا الحبيب، تريد أن تتصل به حبًا وعشقًا لا عبادة، لا دعاء، لا طلب حاجة، بل لتقول له همسًا وسرًا أنا أحبك يا ربي، ما ألذها حين تقولها من عمق القلب وتشعرها وأنت مبتسم، أستطيع أن أسميه الحبَ الغني فهو يغني العاشق عن كل شيء ويصبح بعدها في حالة اكتفاء تامة.

نعم، ولكني أنا في حالة حب مع الكثير من الأشياء من حولي، نعم، لقد وقعت في غرام شجرة ذات يوم، كنت حينها جالسة في حديقة عامة أتأمل البشر وكأني أنظر إلى فيلم تمامًا منفصلة عنهم، لكن متصلة بهم وحينها وقعت عيني على تلك الشجرة، وغيرت عيني المسار وشعرت بأني رأيت شيئًا يستحق أن أعاود النظر فيه، وكان هذا كله في برهةٍ قصيرةٍ من الزمن وما إن استقرت عيني حتى انبهرت، ما شاء الله يا لجمالك!!

كان هذا أول كلامِ حبٍ قلته لها صرت أنظر وأنظر إلى أدق تفاصيلها كيف يحرك أجزاءها الهواء وكيف به يداعب الورق؟ كمْ ورقة سقطت؟ ولماذا؟ وما لونها؟ أكانت صفراء تعبة أم خضراء؟ انتهت رحلتها هناك ولها دور آخر في الأسفل وكيف هو شكل الغصون؟ وما أروع ذاك الطول كم هو جميل جذعها! إلى أن أحسست أني أريد أن أشمها قمت حينها أمشي وأسير نحوها ووصلت فلم تكن بعيدة، أغمضت عيني واستنشقت الهواء، رائحتك يا جميلة رائحة خضار رائحة حياة رائحة حمضية ممزوجة بالتراب! حقًا لا أستطيع أن أقاوم أنا أريد العناق، جذعها كان حنونًا وظلها كان كبيرًا وعطرها فواحًا، همست لها قبل أن أمشي لقد وقعت في غرامك سبحان المبدع ما أروعك!

نعم وأنا من يقع في غرام طبق من الطعام على وجبة رئيسة أعددتها يومًا، أعترف لا أحب الطبخ ولا يستهويني لكن أحب طعم ما أطبخ لنفسي أو لعائلتي الصغيرة، أحبه وأستلذ به وخصوصًا أول لقمة “أووه” يكون حينها الفم مليئًا باللعاب وينتظر بشوق أن يذوق هذا الطعام، وعيني تنظر بكل حب بل تستمتع بامتزاج الألوان وتداخلها، والدخان يحمل أشهى العطور وتشتغل حينها كل الحواس، ودون مقاومة أضع لقمة أقل من حجم فمي؛ لأن هذا ما يجب أن يكون أنا داخليًا أريد أن أعبر عن الحب بكلتا يدي وبعد أن أذوق أول طعم ومضغة، صوت غير منطوق تعبيري من العمق أم تصاحبه غمضة عين سريعة ونظرة للأعلى، وهنا تم البلع ويتم أخذ نفس عميق ويبدأ حينها كلام الحب ينهمر “أووه” ما أطعمك!

وعلى هذا الحال من الحب أعيش الحب وأستشعره تجاه كل شيء من حولي، ولكن
أنا ذاتها تلك التي تعي تمامًا قانون التخلي الذي لا يعني التعلق، قانون التخلي الذي يعني تمامًا أن نستمتع ونحب بشكل حيادي، لا نتمسك لا نحزن لو ذبلت الشجرة وماتت لا نبكي أو نضجر عندما لا نجد طعامًا لذيذًا، لا نتمسك بهدف ولا مادة ولا شخص عندما تصل لهذا الشعور ستحلق حُبًّا ستكون حرًا، تمامًا لا يقيدك شيء، أهلًا بمن أتى وأهلًا بمن رحل، هذا لا يعني أبدًا أن لا قيمة للأشياء من حولنا أبدًا، فدون كل هذا لن تكون حياة ومن يحب سيعطي كل ذي حقٍ حقه من الحب.

سيشارك ويتأمل يستمتع ويتلذذ لكنه يعرف تمامًا أنه لا ثبات ولا أبدية في الحياة، لا الشجر سيثبت مهما طال وقوفه ولا الأفكار التي تدور ولا المشاعر تجاه الأشياء ولا حتى الأمنيات قد يأتي يومٌ ولا تعود أمنيات أصلًا.

ما يجب أن نعرفه ونعيشه حقًا هو شعور الحب والتقدير لكل ما حولنا دون التشبث، وهذا لا يعني أيضًا عدم السعي لما نحب أبدًا، بل شعور الحب هو الداعم للسعي وهو المحرك الرئيس للسعي وراء علاقة أو هدف أو رغبة أو.. لكن لن أحزن إذا لم يتحقق الهدف، ولن أبكي إذا لم أصل لرغبةٍ ولن أيأس عندما تنتهي علاقة يجب أن نتعلم أن انتهاء الأشياء بها الكثير من الحب حب من نوعٍ عميق قد يخفى عليك حقيقته ولن تستشعرها إلا في حال الحب الحقيقي.

الحب لا يقيدك أبدًا، الحب هو من يجعل منك حرًا
عندما نحب، يجب أن نحب حبًا حقيقيًا لا مشروطًا، أحبك فقط لأني أحبك وأعطيك لا أريد أن أعطيك وإن اخترتَ الرحيل سأتمنى لك السعادة لأني باختصار أحبك.



error: المحتوي محمي