كلكم محبّ وكلكم مسؤول عن حبيبه

هدى ذات الشعر الفاحم، كان شعرها طويلًا تتباهى به بين أقرانها، تعشق خصلاته المنسدلة، تسبح في غمرة ظلماته دون أن تخشى سواده الحالك.

دخلت بإرادة قوية لصالون التجميل وطلبت من خبيرة التجميل قصّهُ لها وعندما سألتها عن سبب التّخلي عن شعر بهذا الجمال أجابت بحزن: لأثبت لنفسي أنه من الممكن أن أتخلى عن أي شيء أُحبّه.

في الوقت الذي ذهبت فيه هدى لصالون التجميل لتضع جروحها خلف مقصّ التّجميل يرجع علماء النفس أن السبب الحقيقي خلف قصّ المرأة لشعرها عند خروجها من أزمة نفسية لرغبتها في تغيير حياتها وصياغتها من جديد مؤكدين على أن الصدمات العاطفية تضيء مراكز الألم في الدماغ.

لم تكن هدى بحاجة لجلسات في العلاج النّفْسي كما كانت تقنع نفسها بعد خروجها من تجربة زواج فاشلة فقد كان يكفيها بعض التغييرات الخارجية التي تراها كفيلة بتبديل أحزانها ومداواة جراحها.

والسؤال الذي يفرض نفسه هنا؛ هل فشلنا في إدارة شراكة زوجية ناجحة؟ وهل من الإنصاف أن يُشبع الزوج زوجته حبّا ورسائل غرامية بشكلٍ يوميّ في بداية زواجهما ثم ينتهي ذلك بتسريحها أو بالزواج الثاني بعد سنوات طويلة من العشرة؟ وهل من الممكن أن تنقطع أواصر الحب والاهتمام بين الزوجين بعد عمر مديد وعشرة طويلة؟ وليس هذا فحسب بل أحيانًا يكون أحدهما سببًا في إصابة رفيقه بمرضٍ مزمن أو صدمة نفسية.

يقول أمير المؤمنين في حق السيدة الزهراء عليهما السلام: “فو اللهِ ما أغضبتها، ولا أكرهتها على أمر حتى قبضها الله عزّ وجلّ، ولا أغضبتني ولا عصت لي أمرًا، ولقد كنت أنظر إليها فتنكشف عنّي الهموم والأحزان”.

الإنسانية هي جواز سفر الإنسان أينما ذهب والرحمة عنوان الإنسان وهي طوق نجاة من قسوة هذا الزمن وتقلباته المتلونة. وقد يكون الكاتب أكثر شراسة في محاربة رائحة الألم المنبعثة من القضايا الاجتماعية فهو يراها عيانًا، يقرأ، يحلل المشاعر، يجابه الواقع، يكتب عنه، ويخمن ما حدث ثم تثور البراكين النفسية فتخرج من فوهتها الآلام المضنية. لن يرضى الكاتب تسجيل جميع المواقف المؤلمة لأنه يشعر بواجبه أمام لحظات الوفاء والحب الصامد أمام تصاعد الرياح في مختلف محطات العمر الزوجي.

فالكاتب بوسعه رسم لوحات من الأمل أمام معتنقي الحب وهواة الاستقرار العاطفي فالكثير يسلك طريقهم ويحبذ النجاة من الأوراق السوداء المنتشرة في أروقة مجتمعاتنا.

ومن أجمل اللوحات التي صادفت قلمي فتسمّر بين حروفها الذين ينشرون رائحة الأمل هؤلاء الثلة الحالمة:

لقد كتب بائع سجائر لزوجته: ”ليس التدخين ما يؤدي للوفاة، بل العالم بلا وجهك“.

وكتب عازف لزوجته: ”الألحان عظيمة للغاية، ولكنها ليست كصوتك“.

وكتب مغترب لزوجته: ”كفي عن نثر ملامحك على وجوه العابرين هنا“.

وكتب رجل متدين لزوجته: ”إنك لوصية رسول الله“.

وكتب كاتب لحبيبته: ”أحتاج للغة جديدة أكتب بها عنك“.

وكتب طفل يتيم لأبويه: لما أخذتم كل الألوان معكم؟!

اجعلوا بعضكم دثار بعض، وامسحوا أخطاءكم، وتقبلوا الأعذار فالحياة قصيرة جدًا، ومحطات المغادرة كثيرة.

لكلّ زوج؛ اجعل زوجتك تحب أسرتك وتتباهى بتربية أمك لك وتفتخر بإخوتك وأخواتك فالمرأة إذا أحبت زوجها أحبت جميع أسرته.

لكلّ زوجة؛ كم يؤسف الزوج عدم تلبيته للكماليات المتكررة لزوجته التي تضعها فوق كاهله ويتمنى أن يرسم السعادة على وجهها في جميع الأحوال.

والرسالة الموجّهة للزوج والزوجة باختصار: كلكم محبّ وكلكم مسؤول عن مشاعر حبيبه.



error: المحتوي محمي