لا للمبالغة ضد الخبز والأرز.. نعم للتوسط !!

اعلم أنك تمتلك مفتاح الأكل الصحي عندما تتّبع نهجًا غذائيًا متوازنًا، في الحقيقة إن تصنيف الطعام ما بين جيد وسيء هو مفهوم خاطئ، ومن هنا لا بدّ من أن ننظر إلى النظام الغذائي كوحدة متكاملة، وبالتالي فالنظام غير المتوازن وغير الصحي هو ذلك الذي يحتوي على كميات كبيرة من الأطعمة الأقل فائدةً من غيرها.

من الخطأ أن يبني الإنسان نظامه الغذائي بتجنّب بعض أنواع الأطعمة ما لم يكن ذلك لدواعٍ صحية، غير أن ذلك لا يعني أن بعض الأنواع لا تشكّل خطرًا معينًا على صحته، وفي الواقع، عندما تمنع نفسك من تناول نوعٍ محددٍ من الطعام ستلاحظ أنه سيتحوّل إلى هوس في حياتك، فتتوق نفسك دائمًا ودومًا لتناوله، وعندما تستسلم لتَوْقك هذا، ستفرط في الاستمتاع به بشكلٍ مخيف، وفي هذه الحالة يُفضل أن تُدرجه ضمن نظامك الغذائي باستمرار.

بالرغم من كثرة ما يثار حول الأغذية وتأثيرها الإيجابي أو السلبي على الصحة، إلا أن كثيرًا مما يثار حولها ما زال يترك للمتأمل أكثر من تساؤل، ولعل الاضطراب في وضوح الصورة عند كثير من الناس وترديدهم الدائم بالقول: نصدق من؟ سببه عدم اتفاق واضح حول حقيقة بعض أدوار الأصناف الغذائية في الصحة والمرض.

نحن بحاجة إلى الفاكهة والخضروات، والخبز والنشويات، واللحوم والبقوليات، والحليب والجبن، والأطعمة التي تحتوي على دهون وسكريات، بحيث تشكل الكربوهيدرات نسبة من 50 إلى 60% والبروتين من 10 إلى 15% والدهون من 25 إلى 30%، يعني التوازن والتنوع في كل مكوّن غذائي، بما لا يدع مجالًا للشك في أن الخبز، الأرز ، الذرة، البطاطس، المعكرونة، أصناف نشوية احتلت مكانة لا يضاهيها أصناف أخرى من المأكولات بدءًا من أبسط طرق تحضيرها، والإعجاب بمذاقها، وصولًا إلى العناصر المغذية التي يحتاجها الجسم، وتعدّ من الأغذية الأكثر شعبية في العالم، كما تعد من الأغذية المقنعة التي لا يعلى عليها.

هناك اتهامات يلجأ إليها بعض الأشخاص، ويتم نشرها عبر مقاطع فيديو متداولة تتضمن تجاربهم الشخصية ضد أصناف غذائية أساسية مثل الخبز أو الأرز وهي أبسط الأطعمة، لا ينازعهما على مكانتهما شيء، ومهما أغرتنا الوجبات الفاخرة.. تأتيك لحظات تشعر معها أنك تتوق للقمة خبز ساخن أو ملعقة أرز لذيذة. والادعاء بأن تناولهما قد يؤثر على الصحة، كونهما من النشويات التي تسبب السكر، مثل هذه الاتهامات أو الاعتقادات قد تقابل باعتراضات وحقائق واضحة، صحيح أن تلك الأصناف من النشويات، إلا أن النشويات لا تمنع عن مرضى السكري، وهذه النظرة كانت قديمة وما زال بعضهم يرددها وقد تغيرت منذ زمن طويل. والصحيح أن على مريض السكري أن يأكل حوالي من 55% إلى 60% من السعرات الكلية من النشويات، لكن المشكلة في أننا نأكل الأرز والخبز والبطاطس بكميات كبيرة جدًا مقارنة ببقية الأغذية. لقد أثبتت البحوث الجديدة أن الاستهلاك المفرط للنشويات والسكريات هو المسؤول الأول عن السكري.

تعد الكربوهيدرات والتي تشمل السكريات والنشويات والألياف، المصدر الرئيس للطاقة في غذاء الإنسان، إذ تمد الفرد بأكثر من 70% من الطاقة اللازمة له، وفي حالة نقص الأغذية التي تمد الجسم بالطاقة في الغذاء عن اللازم فيقوم الجسم باستخدام الجليكوجين المختزن في الكبد كمصدر سريع للطاقة. وللكربوهيدرات دور في ميتابوليزم الدهون فهي تعمل على اكتمال احتراقها في جسم الإنسان، أما في حالة عدم وجود كمية كافية من الكربوهيدرات؛ فلا يتم احتراق الدهون، وتتكون نواتج وسطية حامضية التأثير مثل كيتونات والدهنيات مما يؤدي إلى ارتفاع حموضة الدم وتسمى هذه الحالة “Ketosis ” وهذه الظاهرة تصاحب مرضى السكر، كما تظهر في حالة الجوع الشديد حينما يحترق دهن الجسم نفسه. وهناك أمر آخر مهم هو خفض الوزن بسرعة مما سيؤدي إلى انطلاق ما يسمى الجذور الحرة التي يعتقد أنها سبب في تسريع الشيخوخة المبكرة.

كانت الوجبات عالية الكربوهيدرات عالية الألياف حتى وقت قريب توصف لجميع فئات مرضى السكري، إلا أن الأمر قد اختلف اليوم كثيرًا فقد أصبح وصف أي وجبة غذائية لمريض السكري مرتبطًا بحالته الفردية والصحية، أي أنه ليس كل من يعاني السكري عنده المشكلات نفسها التي عند الآخر.

لحسن الحظّ، قد لا تؤذي جميع أنواع الكربوهيدرات المصابين بمرض السكري، فلا بدّ من أن تشكّل النشويات على سبيل المثال جزءًا أساسيًا من نظام مرضى السكري الغذائي، لأنها لا تسبب تغيرًا سريعًا في مستويات الغلوكوز في الدم، بل على العكس من ذلك فهي تمنح الطاقة والألياف.

ليس لنا أن نفترض أن وجبة غذائية تخلو من الأرز أو الخبز – الغذاء الأساسي في أطعمة سكان العالم – سيكون سهلًا، لأن الكثيرين سيترددون في ترك هذين الصنفين، ظاهرة أربكت الحياة الغذائية وأثرت سلبًا على الحالة النفسية والجسدية، لقد استبدلنا بالطعام الطيب المتوازن؛ طعامًا رديئًا لا طعم له ولا رائحة.

ما تشهده الزراعة وصناعة الغذاء في هذا العصر الذي نعيشه، قد خيَّبت الآمال ومستقبلها أصبح غير واضح بل تواجه بمعارضة صلدة خصوصًا المحاصيل الغذائية المعدلة وراثيًا.

الكثير من الأغذية التي نستعملها اليوم منتجة بتقنيات جديدة، فلم تعد الأغذيةُ أغذية، ولا الموادُ هي المواد التقليدية؛ لقد تغيَّر كل شيء، لكن هل تغيَّر كل شيء إلى الأبد؟ هل هو طريق بلا رجعة؟ إلا أن هذا يقودنا إلى أهمية الغذاء بجميع أصنافه الطبيعية، فالله لم يسخرها لنا عبثًا، وطالما أن الإنسان لا يشتكي من أي مشكلات صحية تحول دونه ودون تناول أي صنف فلا داعي لحرمان أنفسنا، فهو مقبول صحيًا إذا أخذ ضمن غذاء متوازن.

إن كنت قد عانيت من تجربة صحيّة يمكن أن تعود بالفائدة على من يعانون من الحالة نفسها، ندعوك إلى عدم نشرها كونها قد تكون حالة فردية، فليس كل من يعاني السكري عنده المشكلة نفسها التي عند الآخر سواء من الناحية المرضية أو من ناحية طبيعية ارتفاع السكري في دمه، من هنا فإن التعاطي في مثل هذه الحالات، لا بد من أن يحمل أكبر كم من الدقة العلمية احترامًا لعقول الناس وحرصًا على صحتهم وحفاظًا على الصدقية، باعتماد لغة العلم التي لا تعرف إلا وجهًا واحدًا للحقيقة.!

ومن المثير للدهشة في هذا الأمر، الدعوات المتكررة إلى مقاطعة الأرز والخبز، أصبحت مألوفة بشدة هذه الأيام، تبدو واضحة جدًا فيما ينشر عبر قنوات التواصل حول تأثيرها على صحتنا، وتتكرر معها حيرتنا!! هي تتعارض مع ما اعتاد عليه مجتمعنا ومعظم شعوب العالم، حيث يعد الأرز أو الخبز الغذاء المفضل للبشر، يأكله الأغنياء والفقراء بمختلف طبقاتهم الاجتماعية، بل إن هناك كثيرين منهم يكادون لا يتناولون سواهما من الأغذية، ويبدو أن هذين الصنفين سيختفيان من موائدنا، وحينئد سنكون أمام فصل من فصول الحرمان.


منصور الصلبوخ – أخصائي تغذية وملوثات



error: المحتوي محمي