كلّما مرّت الأيام وانقضت السنون أُدين لأمي بكل طبق أعددتُه ونال إعجاب أسرتي.
طبق البريد بالبيض أو كما يُسمى بإطلالته الحديثة (فرنش توست) أو خبز الغجر تصدّر قائمة إفطار أمي، وتسميته بلهجة أمي بريد بالبيض المقلي أكسبه عندي شعبية موروثة وإن كانت كلمة (بريد) غير عربية.
إنّ كفاءة المردود اللغوي لأيّ لغة يتقنها الإنسان إنّما هي ثروة عقلية، وتعلم لغة مضافة للغتنا الأم من أهم واجباتنا تجاه أنفسنا فأنا أرى أن دراسة لغة أجنبية كثقافة تمنح الإنسان مقدرة فكريّة رائعة مهما بلغ من العمر كما أنها تعتبر مشروعًا عند الحاجة، فقد ورد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر زيد بن ثابت أن يتعلم لسان اليهود (لغتهم)؛ ليكون واسطة موثوقة بينه وبين اليهود في نقل كلامه إليهم وكلامهم إليه.
والثقافة الفكريّة عملية ديناميكية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالحياة وتصقلها عمليات الغزو المعرفي التي تصادفنا عن طريق الاتصال بالمجتمعات المختلفة وهذا لا يعني أن نتخلى عن أصالة لغتنا باعتبار اللغة من أهم قواعد الأصالة الموروثة في الجمتمعات الإنسانية، ويظلّ الإنسانُ قويّا بأصالته وحضارته بين الأمم والشعوب.
من جهة أخرى، انتشرت التسميات الأجنبية في كل مكان؛ في المحلات التجارية وقائمة الطعام المليئة بأسماء أجنبية، والجميع يعانقه الفخر في معرفتها ونطقها، بل تُعدُّ عدم معرفتها قوالب للسخرية من البعض، وهناك من يتوارى خجلًا من عدم درايته بها.
ويمرّ يوم تعقبه السنوات ثم نسكب الدموع على جهل أبنائنا بلغتهم الأم، وشيئا فشيئًا نراهم يُظهرون ضعفًا في الإدراك الصوتي للغتهم (الفونولوجيا) يتبع ذلك البحث عن معلّم يتقن تعليمهم للغة العربية.
وفي يومنا هذا تمتلئ شوارعنا بأسماء أجنبية وتتوارى الألفاظ العربية في قواميسها على الرغم من رَوْنَق اللفظ العربي وجمال دلالته اللغويّة.
إن اللفظ العربي وَاضح المُحَيّا، له ملامح واضحة، فَتَّان في رسمه، ثم دعني أخبرك أمرًا مهمًا؛ إنّه عقيدتك، وقرآنك المُبين.