التقدم والنجابة العلمية للطالب

في طريق التحصيل العلمي وتكوين الزاد المعرفي الرصين في الدراسات الحوزوية أو الأكاديمية لا يتوقف الأمر على مسألة النبوغ والذكاء وحده مع أهميته، ولكن العوامل المؤثرة في إيجاد النجابة والتقدم العلمي قد نهملها مما يؤدي إلى خسارة لا تعوض، فمثلًا البيئة المحيطة بالفرد منذ صغره يمكنها أن تنمي مدركاته العقلية وتكوين خريطة تفكيره الذهنية المتحلية بالبحث والاستنتاج وبقية المهارات، كما أن تخصيص وقت للجلوس مع الأبناء والحديث معهم والاستماع إليهم ومعرفة طريقة تفكيرهم ونظرتهم للأمور يحفزهم نحو التعلم والتنافس العلمي والتقدم، فمهارة الحديث وسلاسة الأفكار والقدرة على إيصال المبتغى للمستمع مهارة يتقنها الأبناء من خلال الحديث شبه اليومي المتكرر مع الأسرة، والأسئلة المنتقاة المقدمة لهم من خلال الكتب التي يقرؤونها أو المعبرة عن خلاصة معرفية يقدمها الآباء والأمهات تقوي عندهم مهارات تفكيرية متعددة لا ينبغي إهمالها.

ومكتبة الأطفال التي تناسب مستواهم والاطلاع على الكتب والقصص ينمي مستويات التفكير عندهم ويشكل المخزون العلمي والثقافي لديهم، فالذكاء الاكتسابي يعني بيئة تعليمية وتربوية تنمي شخصية الأبناء وترتقي بهم في ميادين وحقول العلم المختلفة، إذ إن هناك آليات تساعد الطالب في التركيز على المادة العلمية وهضم وفهم مفرداتها تعد أساسية وليست ثانوية، فالتميز والتقدم العلمي له مهارات ينبغي على الطالب إتقانها بالإضافة إلى صفاء ذهنه ونباهته، فالتركيز والانتباه أثناء تلقي المعلومات والدرس عامل مؤثر في فهم المادة المعروضة، ففي كثير من الأحيان يكون سبب عدم فهم الدرس لا لنقص في القدرة العقلية عند الطالب، وإنما يعزى الأمر إلى عدم امتلاكه مهارة الانتباه وعدم الانشغال بالأمور الأخرى أثناء الدرس، وهذه المهارة يحوزها من خلال تكرار تعويده على التركيز وتخلل الأسئلة التي تأخذ بمجامع عقله وقلبه، ومع الأسف نعاني اليوم من آفة تشتت الذهن وذهاب مخيلة الطالب بعيدًا مع أولى دقائق الدرس، فوسائل التواصل والانشغال بالمواد المعروضة فيها جعلها عالقة في الذهن وتأخذ حيزًا كبيرًا منه!!

وتدوين رؤوس الأقلام والعناصر الأساسية للفكرة أو تلك الجزئية من الدرس يرسخ المعلومات في الذهن، ومتى ما أحب الطالب إعادة مراجعتها يسهل تذكرها، فالاتكاء على فهم المادة الملقاة وظن الطالب بأنه هضمها وفهمها يتضح خلاف ذلك متى ما طلب منه عرضها أو شرحها بعد تبخر المعلومة، وتلك التدوينات الخاصة بالطالب تشكل مادة يمكن بعد ذلك كتابتها بالتفصيل كنوع من الشرح والتوضيح للدرس.

المدارسة والمباحثة وتداول المعلومات وتقديمها وكأن الطالب يأخذ دور الأستاذ في غاية الأهمية، وهي دور مكمل في فهم وترسيخ المعلومات ومحطة اختبار لتقويم أدائه واتضاح المطلوب لديه، فقيام الطالب بشرح الدرس وأخذ دور المعلم يكسبه ثقة بالنفس وتشجيعًا على الاهتمام بالدرس والتركيز فيه، وينمي الثروة اللغوية عنده ويحسن أسلوبه في ترتيب الأفكار ومحاولة إيصال المطلب.

وطرح الأسئلة المتعلقة بما صعب عليه فهمه أو ما استطاع معرفة بعض الجزئيات عامل مهم في إدراك المعلومات وترسيخها، فالاستفسار يعني اهتمامًا منه في استقبال المعلومة بشكل تام ولا يعني ضعفًا في نباهته وفهمه كما يتوقع البعض، ولذا على المعلم تشجيع طلابه على المناقشة وطرح الأسئلة، من خلال تلخيص الدرس بمجموعة نقاط على شكل أسئلة يطرحها في نهاية الدرس، ومن أفضل الطرق الكتابية التي تسهم في تثبيت المعلومة هي الخرائط الذهنية (الطريقة الشجرية) عندما يعدها الطالب في نهاية الدرس فهذا يساعده على استذكار المعلومات على نحو ملخص.

والأجواء الهادئة في البيت تساعد الطالب في المذاكرة وتحفيز الذهن بعيدًا عن التشويش والتشتت، فبعض الآباء والأمهات لا يعطون هذا العامل أهمية فتجد مناخ الأسرة هو الفوضى والصوت العالي يملأ جنبات المنزل بسبب الأصوات المتداخلة للجوالات أو التلفاز، كما أن الجلسة المناسبة أثناء المذاكرة تبعده عن الخمول و الإحساس بعدم الراحة، وإعداد جدول للمذاكرة في وقت مناسب للطالب بعد تلقيه وقتًا من الراحة واللعب يساعده على التركيز والنباهة.



error: المحتوي محمي