في سنابس.. الاختصاصي ناصر الراشد لـ125 متدربًا: التشوهات المعرفية أشد فتكًا من التشوهات الجسدية  

قال الاختصاصي النفسي ناصر الراشد: “إن تحديدنا لنمط حياتنا بشكل صحي، قد يساعد على التحكم في موازنة حياتنا بشكل أفضل، وذلك من خلال إعطاء فرص منتظمة للهدوء ليس لنا فقط، وإنما لعلاقتنا في البيت والعمل”.

جاء ذلك خلال المحاضرة التي نظمها مركز سنا للإرشاد الأسري، التابع لجمعية البر الخيرية بسنابس، بعنوان “كيف تستمع بعقل هادئ؟”، أمس الثلاثاء 22 ربيع الأول 1444هـ، بحضور 125 شخصًا من المهتمين.

مبدأ العقل البشري
وأضاف “الراشد”، أن ما يسمى بالتعلم الإيحائي يسهم في الاستفادة من المبدأ القائم على أن العقل البشري لا يفرّق بين ما هو افتراضي وما هو حقيقي، مثال؛ عندما نشاهد فيلمًا أو نتأثر بالحدث الدرامي، فنحن نستطيع أن نتصدى لكل ما يتسبب لنا في مشكلات صحية بالطريقة الإيجابية.

التفكير الزائد
وأوضح أن هناك عددًا من الأشخاص يعانون من تدفقات دائمة ومستمرّة للأفكار في عقولهم، ومنهم أصحاب التفكير الزائد المزمن الذين غالبًا ما يستعيدون في رؤوسهم الحوارات والأحاديث التي قاموا بإجرائها بالأمس، أو يشكّكون في كلّ قرار يتخذونه، أو يتخيّلون مخرجات كارثية لكلّ شي، طوال الوقت.

وأكد “الراشد” أن هذا الأمر يعود سلبًا على أصحاب ذلك النمط من التفكير؛ لأنهم يقومون بتحطيم نفسياتهم وإحباطها، مضيفًا: “يمكن لدوّامة التفكير الزائد أن تؤثر سلبًا، ليس فقط على صحتّك الذهنية، ولكن أيضًا على صحّتك الجسدية والعاطفية، فالحزن والاكتئاب ليسا من النواتج الوحيدة لعملية التفكير الزائد، بل قد تطال جميع نواحي حياتك، فلا بد من أن تكون أكثر وعيًا لهذه الأمور، حتى لا تتراكم عليك الأفكار السلبية، فالعقل الباطن هو مخزن للخبرات والذكريات، فاجعل ذاكرتك مستودعًا جميلًا”.

مثال تطبيقي
وذكر الاختصاصي النفسي، أن التفكير الزائد له تأثير سلبي على المهارات الاجتماعية، على سبيل المثال؛ حينما نقضي وقتًا طويلًا في تحليل ما قد يفكّر به الآخرون حولنا، عادة ما يخلق ذلك شعورًا بالخوف والانعزال عن المواقف الاجتماعية، معقبًا: “تخيّل فقط عدد المرات التي تخيّلت فيها أنّ أحدهم لا يستلطفك أو لن يستلطفك، ونتيجة لذلك لم تبادر بالتحدّث إليه! لعلّك أضعت الكثير من الفرص للتعرّف على أصدقاء جدد أو لتوسيع دائرة علاقاتك بسبب تفكيرك الزائد، غالبًا ما يكون التفكير الزائد هو السبب وراء تصرّفاتك ومشاعرك هذه، وليس الأشخاص من حولك”.

الوعي بالذات
وعن الوعي بالأفكار وما يحققه للإنسان، أشار “الراشد”، إلى أنه من خلال فهم مشاعرنا الخاصّة المتنوعة بدلًا من محاولة تجنّبها، حتى وإن كانت صعبة أو غير مريحة، ونبدأ في الانتباه إلى تصرفاتنا في بعض المواقف المعيّنة، ونتسائل: ما استجابتنا الطبيعية للأشياء؟

وتابع: “كلّما كان وعيك بذاتك متدنيًّا، أصبح من السهل عليك أن تكون دفاعيًا أكثر في تعاملك مع الغير، وهذا ما يؤدي إلى انهيار العلاقات بأنواعها كافة، فالصحة العقلية هي من يُحدّد مسار حياتك مع نفسك والآخرين، فقط لقطة واحدة من الهشاشة النفسية تزيلك من مجتمعك، حافظ على صحتك العقلية بإزالة المواقف التي تفقدك الهدوء”.

فيروس كامن
وتحدث “الراشد” عن التشوهات المعرفية، مبيًنا أنها تعمل مثل الفيروس الكامن الذي يتصيد الإنسان وقت الضغط وانخفاض المناعة، واصفًا إياها بأنها أشدّ فتكًا من التشوهات الجسدية؛ وذلك لأنَّ أفكارنا لها تأثير كبير في صحتنا النفسيَّة، ومن ثم قد يتسبب التشوه المعرفي في تدمير حياة الإنسان وفشله في مختلف النواحي، فهي تؤثر سلبًا على الصحة النفسية لدرجة قد تصل للتسبب في أنواع من المرض النفسي، مثل الاكتئاب أو اضطرابات القلق وهي؛ قراءة الأفكار، التنبؤ، التفكير الكارثي، التسمية، إهمال الإيجابيات، الترشيح السلبي، التعميم المفرط، التفكير القطبي، إضفاء الطابع الشخصي على الأمور، التضخيم، التهويل، والقفز إلى الاستنتاجات.

نظرية التبادل الاجتماعي
وبيّن “الراشد”، أن نمط التفكير الخاطئ يكون حسب نظرية التبادل الاجتماعي للتقييمات المستمرة لكل شيء بطريقة سلبية، أو المقارنة أيضًا، بالإضافة إلى أنه يجب علينا فحص خبراتنا النفسية والمعرفية الاجتماعية، وإعادة تنظيمها، متابعًا: “على سبيل المثال عندما تجد نفسك لا تستطيع تفسير سلوكك وانفعالاتك، عندما تجد نفسك متوقفًا عن النمو والتطور والتقدّم لديك، لا تستمر، بل ابحث عن تلك الخبرات الضارة التي تُسبب لك ذلك”.

تيار الأفكار اليومية
وشدد “الراشد” خلال محاضرته على الاهتمام بالتحكم في تيار الأفكار اليومي، قائلًا: “إذا لم تُغير الاتجاه سوف تنتهي إلى حيث تقصد تلك الأفكار التوترية التي تبعث تنبيهات مستمرة، كأنّ خطرًا ما يحدق بنا، وكم من الوقت تستغرق هذه الأفكار؟، من الطبيعي أن تؤخذ إلى منطقة غير صحية، وأن الإحساس بالهدوء أمر مهدد”.

وعرف “الراشد” الفكرة وراء التنشيط السلوكي، ذاكرًا أنها من خلال الممارسة المتعمدة لسلوكيات معينة، يمكن للناس تنشيط حالة عاطفية إيجابية، على سبيل المثال؛ يمكن أن يؤدي الإفراط في أنشطة مرضية أو صحية إلى جعل الشخص يشعر بالرضا، ما يزيد من احتمالية استمراره في المشاركة في تلك الأنشطة.

وصنّف الأمراض النفسية إلى ثلاثة أنواع؛ ذهنية، عصابية، وأخلاقية، ناصًا على ممارسة مهارات تنظيم المشاعر من خلال يقظة المشاعر دون حكم أو وصم، تحديد المشاعر التي تسبب التعب والقلق والألم، تقليل حدة التأثير الجسدي والمعرفي، وزيادة المشاعر الإيجابية.

استراتيجية الكف المتبادل
وتطرق “الراشد” إلى استراتيجية الكف المتبادل بطريقة الاستجابة الصحية، ذلك بدلًا من اليأس الأمل، وبدلًا من القلق الاطمئنان، وبدلًا من التشاؤم التفاؤل، مستكملًا: “نستطيع أن نُحدث تغييرًا جذريًا لنمط حياتنا اليومية، حيث إن المعتقدات التي تنشأ من الأفكار التي نؤمن بها ونصدقها تتشكل بصورة رئيسة خلال الطفولة، ونتوارثها من الأب والأم وتتأثر بها معظم تصرفاتك ومن خلال هذه المعتقدات أو المفاهيم تقوم بخلق قواعد تنظيم السلوك، فإذا كانت هذه المفاهيم إيجابية ترشدك إلى كيفية العيش بواقعية مرنة”.

وعدّد أنواع الاسترخاء، منها؛ التخيلي، العضلي، والتنفسي، وما لها من فوائد على الصحة النفسية، مقدمًا تدريبًا استرخائيًا تنفسيًا للحضور لمدة 3 دقائق لإزالة القلق والتوتر.

واختتم “الراشد” محاضرته، مشددًا على اليقظة الذهنية بإعطائها 100‎% من الانتباه للحظة الحالية لأفكارنا وسلوكنا ومشاعرنا؛ لأنه يُحسّن من رفاهيتنا النفسية، ويحافظ على مستوى مناسب للهدوء، وتقدير الموقف بشكل أفضل، ويصنع الفرق، مؤكدًا أن أفكارك تحدد مشاعرك التي تحدد أفعالك التي تحدد شخصيتك، حيث إن القصور في الشخصية ينبع بشكل أساسي من القصور في التفكير، ويمكن تصحيح ذلك من خلال التفكير بإيجابية.




error: المحتوي محمي