الحُب أن تعشق بلا سبب، وأن تسكنك أنثاك بلا حدود.. .
قرأت ياسمين هذه الكلمات على صفحته في قناة التّواصل الاجتماعي “الفيس بوك”، بعد أن وجدت رسالة منه، جعلها في كلمتين “كوني بخير”، وذيلها بتوقيعه “الظلّ”، لم تحتج إلى كثير من التعمق في التّفكير، من يكون ذلك الشّخص، عرفته من لغته، من إيجاز مُفرداته، رغوتها، بالإضافة إلى شعُورها الذَاتي، وعلى الفور قامت بطلب الصداقة، لتستطيع متابعة ما يكتبه، لديها رغبة في اقتحام عالمه، شيء ما يشدها إليه، لا تعلم له تفسيرًا.
قبل إضافتها في ذات اللّحظة، أكان يُريد هذا الرّجل المجهول، أن يمنح ياسمين خط رجعة، ولماذا اسمه في صفحته، جاء الظلّ؟! تسأل ياسمين نفسها في تعجب
اقتحمت حنان خلوتها، فأبعدت هاتفها النّقال، كي لا ترى صفحته، وما تغير من ملامح وجهها، حيث لازال التّوتر، يصطدم مع استلقاء الهدوء في معصميها، عدّلت من جلستها، وطلبت من حنان، أن تجلس بجانبها.
حسنًا، لكِ ما تُريدين يا أيَّتها المُشاكسة، سأكمل قبل أن تهجميني بأسئلتك، ولكن ما رأيك أن نذهب إلى البحر، سيكون المكان رائعًا، كم أعشق التّأمل في البحر. تُخاطبها ياسمين بثغر مُبتسم قد كشف ما في داخلها
للبحر طبيعته الخلابة، يستريح الفكر عبر أمواجه الهادئة، رمال الشّاطئ المُرتبة، تُؤثث النّفس في هذه الأجواء، ليكون الصّمت وجهتكِ، والتّأمل زادكِ، والإغراق في ذاتكِ بمثابة واحتكِ الغناء، يا حنان البحر يُغريني على البوح، لأجيبكِ عن سُؤالكِ. تقُول ياسمين بهدوء الألم
إنَّ المرأة، تهفو إلى الأمومة، ويُصبح هذا الشّوق أكبر وهجًا عندما تتزوج، فالوقت، يُقاسمها هذا الوهج، لا أخفي عليكِ، لنا وقت من زواجنا، ليس بالكثير، ولكن هذا الشّوق في كلّ يوم، يكبر في وجداني، لست مُتذمرة، فكلّ شيء مُقدر ومكتوب للإنسان، وإذا أراد الله لنا، سيكون، ولكن الذي يجعلني أتحسس، أنّي كلّما تحدثت مع إبراهيم، لا أجد لديه ذات الشّوق، كأنَّه لا يُريد أن أكون الأب، وأكون الأم لروح تسكننا، نحتضنها معًا، ونُلاعبها، ونبني لها المُستقبل.
تُجبرك الحياة غالبًا على التّحلي بالصبر الجميل، وتحمل عدم الاهتمام، وهذا يمنحك القوة على التّجلد: فإنّ جمالية الحياة، تكمن في مدى القُدرة على التّأقلم معها، سعيًا إلى تحقيق أهدافك، لا شيء يأتي بعيدًا عن الصبر الجميل..، كم أرهقني إبراهيم يا حنان، لقد تغير كثيرًا، لم يعد ذاك الحنون، الذي يُعبر عن شوقه لي، الذي كلّ همه أن أكون سعيدة، تغير كثيرًا.
في الإجازة الأسبوعية، أكون مُتلهفة عليه، الشّوق إليه، يسبقني إلى الإصغاء لأنفاسه، والنّظر إلى تفاصيله، لقد اختنق كلّ هذا الشّوق في ذاتي، ربما لن تُصدقي بأنَّه يتركني في الشّقة، ويذهب إلى رفاقه، يقضي معهم اللّيل إلى بزُوغ الفجر، فأذهب إلى عائلتي، أجلس معهم، ويتعجبون إذا ما سألوا عنه، فأخبرهم بأنَّه مع رفاقه؛ لأنّي موجودة معه ليلتين فقط، وأعود للجامعة، إنَّهم يسألون دائمًا، ألهذا الوقت المُتأخر كل أسبوع؟!، أليس لكِ الحق في أن يكون معكِ؟
أتقنت الصّمت، فليس لي سبيل سواه، لأهرب من هذه الأسئلة.
في كلّ أسبوع يُرجعني الشّقة أخي؛ لأنّي أفقد الأمل من جوابه على اتصالاتي المُتكررة، أو الرد على رسائلي، التي مللت كتابتها إليه، وأصابعي ترتعش خوفًا من كلماته القاسية، والمُتذمرة.
تُؤكد ياسمين، وهي تضغط على أصابعها، وتهمس في وجنتيها البريئتين:
أيَّتها المّشاكسة، أيَّتها الطّفلة البريئة، احفظي هذه الكلمات عني، وتذكريها ذات يوم، إن لم أكن بجانبك، كالآن.. .
هكذا الحياة، تمرّ السّنون على أمل، ويُجهض الأمل، ليولد الأمل من جديد، أصغي دائمًا إلى الأشياء، التي لا صوت لها، وحدقي في الأشياء، التي لا شيء فيها، وتحدثي عن الأشياء، التي لا يعرفها الآخرون، ولا يُبصرونها، ولا يسمعون بها، كوني البسمة، التي تُشرق بامتلاء انتعاش الرّوح، وربيع الجسد، تحت حبات المطر.
تقُول الكاتبة الإنجليزية فرجينيا وولف، التي تكتنف الحالة السّردية لديها العمق في المُحتوى، وتعتمد على الوعي، ظلًا في سردها، والتي نُقل عنها: إنَّ النّساء لكي يكتبن بحاجة إلى دخل ماديّ خاص بهنَّ، وإلى غُرفة مُستقلّة، ينعزلن فيها للكتابة: أريدُ أن اكتبَ رواية عن الصّمت، عن الأشياء التي لا يقُولها النّاس! تُضيف ياسمين
هل تذكرين الرّجل المجهول، الذي حدثتكِ عنه؟ تسألها وهي تناولها الآيس كريم
نعم أذكره، الذي أرسل رسالته الأخيرة، وابتعد عنكِ، هذ الرّجل، الذي احتضن موهبتكِ، وحفزكِ، شجعكِ وبيّن لكِ الطّريق إلى الإبداع، الذي انتشلكِ من ضياع موهبتكِ بسبب كاتب عرضتِ عليه كتاباتكِ، ولكنَّه تكبر على بوحكِ، واستصغركِ، وكاد يرميكِ في مُستنقع الفشل.
نعم أذكره، ماذا به؟ وما الذي ذكركِ به الآن؟
يبدو أنَّ الآيس كريم ذكرني به. تضحك ياسمين