اصطفّت 40 أنثى في قاعة عبد الله الشيخ بجمعية الثقافة والفنون بالدمام، اختلفت ملامحهن، وتباينت ألوان صبغاتهن، واتجاهات نظراتهن، لكنهن اتفقن على أمرٍ واحد؛ جميعهن يحملن بصمة الفنانة التشكيلية مريم الشملاوي، ويتلونّ بريشتها، تلك الريشة التي رسمت تفاصيلهن على مدى 8 أعوام، لتنتهي رحلتهن التشكيلية كفاتنات عرض معرضها الشخصي الأول “المنيفات”، الذي افتتحته عضو مجلس الشورى سابقًا الدكتورة نهاد الجشي، يوم الخميس 18 ربيع الأول، ويستمر حتى الثلاثاء 22 ربيع الأول 1444هـ.
وتوحدت الأربعون لوحة في المعرض في خاماتها الأساسية، حيث استخدمت لها ألوان الإكريليك، فيما تمايزت اللوحات عن بعضها بإدخال خامات داعمة للعمل الفني كالكولاج وأوراق الذهب والماركرز، ورُسمت الأعمال على لوحات من قماش الكانفاس أو الخشب.
حضور مدروس
وعلى الرغم من العمر التشكيلي الطويل لـ”الشملاوي” الذي يمتد لأكثر من عشر سنوات، إلا أنها لم تفكر في استعراض تجربتها الفنية في معرضٍ شخصي قبل هذا المعرض، وحول تأخر تمخض تجربتها عن معرض خاص، قالت لـ«القطيف اليوم»: “تجربة الإعداد لمعرض فني تجربة فريدة تُعد تحديًا يخوضه كل فنان يرغب في إثبات حضوره في الوسط الفني، هذا الحضور الذي يجب أن يكون مدروسًا وفي وقته الصحيح، حضور يجب أن يثري الوسط بلوحات ناضجة متقنة وتحمل فكرًا، وتعطي للفنان قيمة فنية وليس مجرد اسم معروف لمجرد الظهور لا أكثر.
وأضافت:” أنا مؤمنة بأن الفنان يجب أن يتأنّى قبل أن يخوض تجربته الشخصية المنفردة، حتى يُكوّن لنفسه بصمته الخاصة التي تميزه وأسلوبه المنفرد الناضج فنيًا في عالم الفن المكتظ بالمواهب، هذه قناعتي.. لذا لم أستعجل الخطى يومًا نحو معرض خاص بي، بقدر ما مشيت متأنية متأملة أتعلم كهاوية وأخطئ وأصحح وأطور نفسي فنيًا وفكريًا قبل خوض هذه التجربة”.
منيفات مريم
سعت مريم في معرضها أن تطابق اسمه بما يعرض فيه، فالمنيفات التي تأتي جمعًا لكلمة (منيفة) هي مرادفة للمُرْتَفِعة، والشَامِخة، وكَامِلَة الأَوْصَافِ، وتامة الطول والحسن، ولطالما قرن الشعراء هذا الوصف بالجبال فيقال: جبال منيفات دلالة على الشموخ والرفعة، وهو ما عدته “مريم” مشابهًا للمرأة التي تحضر كعنصر أساسي في لوحاتها، بملامحها الحادة والقوية والحنونة في الوقت نفسه.. تلك الملامح التي حاولت أن تجسد فيها صبر الأنثى وأحلامها وعزمها وإصرارها وشموخها، سعيًا للوصول إلى الرفعة والمكانة التي تستحقها، واختصرت ذلك كله بقولها: “النساء في لوحاتي ليس لهن شبيه إلا الجبال المنيفات”.
رحلة الثمانية أعوام
السيدات في لوحات “الشملاوي” لا يملكن جميعهن تاريخ ميلاد واحد، فقد جمعت في معرضها، لوحات تترواح سنوات إنتاجها بين عام 2014 و2022م، قضتها بين إنتاج غزير في بعض الفترات وإنتاج بطيء في فترات أخرى، حتى تبلورت خلال تلك المدة فكرة المعرض وصقلت خلالها أحاسيس النساء في لوحاتها.
وعن المدة للتحضير للمعرض، أرجعت الفضل إلى مدير جمعية الثقافة والفنون بالدمام يوسف الحربي، في تسهيل كل الصعاب للتحضير للمعرض وصولًا للحظة الافتتاح.
المرأة بريشة المرأة
على الرغم من أن تجربة المعرض الشخصي هي تجربة جديدة لـ”الشملاوي”، إلا أن طغيان حضور المرأة يبقى مسيطرًا على لوحاتها جميعها، حتى تلك التي شهدت مشاركات في معارض جماعية داخل المملكة أو خارجها، وعن سر ارتباط فرشاتها بملامح حواء تحديدًا، قالت: “المرأة خير من يمثل المرأة بإحساسها، لذا أسعى في لوحاتي دائمًا لرسم ملامح المرأة واستخدام تعبيرات الوجوه للتعبير عن دواخلها بإيحاء الخارج وللتعبير عن الأحاسيس النفسية التي تمر بها”.
وأوضحت أن ما تهدف إليه في لوحاتها دائمًا هو إيصال الشعور وليس جمال الملامح، مشيرةً إلى أن الملامح واللون المتمرد في اللوحات هما بوابة الشعور الذي تسعى لإيصاله للمتلقي، فلنظرة العين رمزيتها، ولتمرد الشعر وتطايره رمزيته الأخرى، واللون -بدرجته القاتمة حينًا أو المشرقة حينا آخر- رمزية لشعور وحلم وأمل.