الإنسان بطبيعته يخطئ ويكرر الخطأ مراراً ومراراً حتى بعد أن ذاق مرارة النتائج وألمها، ولعل عوامل كثيرة تتداخل في مجريات التكرار ومدى إمكانية التعلّم منها وإيقاف حدوثها. الخطأ عندما يحدث يخطف الأنظار وقد تغيب الأفكار حينها عن النظرة الشاملة ومراجعة كامل الحدث وأدواته وآثاره ولا ندرك أن الحدث في الحقيقة هو نتيجة أخطاء متوالية تكررت بعضها فرادى دون أثر ولا ضرر ولكن عندما تتحّد وتتجمّع مع نظيراتها بالتوالي تصعب وتكون نتائجها صاعقة. بلا جدال كل إنسان معرض للخطأ ولا عصمة عن الزلل والرجس والخطأ إلاّ لفئة مختارة من البشر ذكرهم الخالق جلّ وعلا في محكم كتابه فلا حصانة لأحد مهما ظنّ أنه علا علمه أو كبرت شهادته أو تضخّم جسده وهيبته، ولا يوجد من ينسب لنفسه العصمة بل يحدث أن يغلُ فيه أتباعه. كما أن الخطأ بعينه من الإنسان أو أسرته ومجتمعه هو جزء من تركيبة حياته وابتلاءاتها.
ثمّة مؤشرات تدلّ على أن ظرفَي الزمان والمكان من العوامل المرجحّة لمدى خطورة الخطأ وعمق أثره وضرره على الإنسان والمجتمع مهما تداخلت أطراف الحدث بين المذنِب والضحية. نشاهد توقّف سيارات وسط الطريق وعند المعاينة يتّضح لهم عدم وجود ضرر أو الأثر شبه معدوم، من جهة أخرى يحدث أن يترك البعض سيارته في وضع التشغيل عندما ينزل إلى المحل للتبضّع السريع أو يترك أطفاله وحدهم بالسيّارة. مؤلم أن يكون نتيجة الخطأ خروج روح إنسان وهذا يحدث مثلاً مع تنوّع الخطأ كالسرعة الزائدة التي تفقد السائق إمكانية التحكّم في مسار سيارته وإيقافها وقتما يريد، والخطأ الطبي نتيجة تشخيص خاطئ أو وصف علاج غير سليم كما أن إجراء عملية دون العناية بمضاعفاتها المحتملة، والمزح واللعب الخطر من وبين الشباب لا يمكن تسديد فاتورة ألمه بتأنيب الضمير.
مشاكل النقل المدرسي ووفيات الطلبة مثل سائر الحوادث المتكرّرة تحتاج إلى من يدرسها دراسة شاملة وعميقة بمشاركة الطلبة أنفسهم، ويبدو أنه يمكن معالجتها بشكل أفضل مع أخذ النقاط المقترحة التالية في الحسبان:
· عدة أطراف معهم مسؤولية السلامة في كامل مشوار خروج الطالب من منزله حتى وصوله إلى داخل مدرسته.
· داخل المدينة، الطالب الذي ينام في الباص المدرسي غير مهيّأ للذهاب إلى المدرسة.
· توضيح سبل تجنّب المخاطر من الفقرات التوعوية المستدامة في البيت والمدرسة والمنابر والمجتمع.
· ثلّة طيّبة من الشباب سائقي باصات النقل المدرسي يهتمون ويحتاطون كثيراً على سلامة الطلبة في الركوب والنزول وأثناء المشوار إلى المدارس.
· تسجيل وسيلة النقل وتفاصيلها ضمن بيانات الطالب تسهّل خطوات التواصل الطارئ.
· مع كثرة عدد الطلبة أهمية تواجد مساعد أمين في الباص المدرسي يدير حركة الركوب والنزول ومتابعة إيصال جميع الطلبة إلى مدارسهم.
· أهمية إنشاء نظام تنسيقي بين عريف كل فصل ووكيل المدرسة لإفادته بأسماء المتغيّبين مع بداية الحصّة الأولى والتواصل السريع عند الحاجة مع السائق وولي الأمر.
· أهمية حصول سائقي النقل الجمعي (للطلبة والموظفين وما شابه) على دورات تثقيفية دورية عن السياقة الوقائية وسلامة الركّاب.
– إلى أولياء الأمور: سلموا أبناءكم إلى مَن تثقون به مِن السائقين والمعلّمين.
قد نحتاج إلى أن نفكّر عن مدى الحاجة إلى إعداد ضوابط تعزّز سلامة النّقل المدرسي مع اليقين أنها جزء من منظومة تشمل توفر مدارس في الحي وشوارع حديثة بها مسارات لعبور المشاة ومواقف للسيارات عند المدارس لا تؤثّر على الحركة. إن الخطأ بعينه من الإنسان أو أسرته ومجتمعه هو جزء من تركيبة حياته وابتلاءاتها، والفطن هو من يخلق احترازات منتشرة تقلل من ثمن الأخطاء متى حدثت.
تعلّم من الأخطاء حتى لا تتكرّر.