من عاداتِ العوائل المتميزة في منطقة القطيف الإقلال من الشروط والمتطلبات من الشاب عند خطبة البنت. من يقارن هذه الطلبات بمجتمعاتٍ أخرى يدرك هذه الحقيقة. إذا جاء أهلَ القطيف من هو أهل وكفؤ لابنتهم، قالوا له: مرحبًا، توكل على الله، أنتَ المال، لا نبتغي إلا زوجًا صالحًا، نحن نعينك على مصاريفِ الزواج إذا كان ولا بدّ! وبالفعل يتحمل والدُ البنتِ قسطًا وافرًا من مصاريف الزواج!
عادة جميلة جدًّا، أشار إليها والد زوجة النبيّ موسى (عليه السلام) حين عرض على موسى الزواج من ابنته: {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ ۖ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ}، في نهاية الحديث قال له: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ ۚ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ}.
{فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ}. أنا لا أصعب عليك المهمة، أنت رجل عرفنا منك القوةَ والأمانةَ والديانة، يكفي ليسهل ولي الأمر الزواج! تقليل الشروط، وتبسيط الأمور، وتيسير المهمة. {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ}! كان رحيمًا ولطيفًا بزوج ابنته المرتقب: {سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ}.
قال موسى: توكل على الله، قبلتُ الزواج ولي أن أختار أيّ الأجلين شئت فإن اخترتُ الثماني سنين فلا تلزمني بالزيادة وإن اخترتُ الزيادة وخدمتك عشرًا فلا تمنعني من الزيادة: {قَالَ ذَٰلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ ۖ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ ۖ وَاللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ}، وبهذه البساطة أصبح موسى (عليه السلام) صهرًا لـ”شعيب” على ابنته. كان موسى خيرَ زوج وكانت له خير زوجة بشروطٍ قليلة، وضع الله فيها بركته وخيره. لكم أن تقولوا: عشر سنوات أو ثمانٔ ليست ثمنًا قليلًا دفعه موسى (عليه السلام) من عمره! وفي مقابل ذلك يؤمن له والد زوجته مصرفه ونفقات زوجته، إذا حسمنا مصرف موسى ونفقاته من أجرة عمله لم يكن المهر غاليًا على الإطلاق!
الحمد لله أن هذا حال كل الآباء عندنا – أو أغلبهم – متى ما كان الشاب كفوًا، فلن يكون للبنتِ شروطٌ تعجزه ولن يكون للأسرة شروطٌ تعرقل مسار الزواج.
تنويه: هذه الخاطرة ليست تفسيرًا للقرآن، ذلك له محله وبحثه وأهله! إنما هو تدبر وقد يكون ناقصًا أو خطأً فمني الخطأ، ومنكم ومن الله العذر، إذ في قصة زواج موسى (عليه السلام) دروسٌ وعبرٌ كثيرة، ساقها القرآنُ الكريم في بضع آيات؛ حسن الاختيار، وسرعة إجراء عقد النكاح، وأدب البنت وعفتها، حياء الرجل وشهامته، وغير ذلك من القيم السامية في آياتٍ قصيرة!