الظن السيء “ظلم وحقد وحسد” صفة مرَضية وحالة نفسية مذمومة الأفعال “وساوس شيطانية تعتري البعض، تتغلب على توازنه الفكري، تسلب منه العدالة” فاتكة بالسلوك الاجتماعي، تدمر حياتنا اليومية ومعاملاتنا التجارية والأسرية وعلاقاتنا العامة، تفرق بين الجماعات.
السبب اتخاذ متبنيها الجانب السلبي بين نقيضين؛ حالتي اليقين والشك دون إثبات بيّن، وهذا من المأمورين بتجنبه والابتعاد عنه إن كان في ذات الشخص أو عمله، كما هو حال التشكيك في أحكام القضاء وتقوى العالِم وأمانة الموظف ونزاهة البائع وبين الزوجين والرئيس ومرؤوسيه وعند تلقي المادة الإعلامية الصادرة من موقع ثقة معروفة بالصدق دون اتضاح خلافها من مصدر يُعتمد عليه بعد المقارنة بين المصدرين، وغير ذلك مما يشابه ويدخل تحت هذا العنوان.
بعض هذه الشكوك وإن عنت واحدًا لكنها أحيانًا تتعداه إلى مجتمعات حسب مكانة المعني بها. جاء في الآية القرآنية الكريمة “12”من سورة الحجرات [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ 12].
وهناك ظنون محببة محمودة العواقب، كظنك بأخيك المؤمن خيرًا وثقتك في عفة زوجتك والعكس، وأفضلها وأجلها حُسن الظن بالله تعالى في رحمته بعبادة مع كثرة معاصيهم وقبول توبتهم وإن كبُرت ذنوبهم، وهو خلاف اليأس والقنوط المنهي عنهما، ولا يعني هذا أن الظن السيء دومًا في غير محله ولا يجوز إذا كان لحاجة “وإن كان بمسمى آخر” التحري مثلًا “وهذا لايحمل إساءة وإنما للتأكيد قبل اتخاذ القرار مع مَن تريد التعامل معه” وفي حالات يتحول إلى وجوب الأخذ به ولوم تاركه إذا كان لحماية مصلحة مصيرية منتظرة يشارك فيها الظانون به ولكن من غير تعدٍ “بقواعد وشروط يُراعى فيها الضمير والإيمان والخبرة مع الإنصاف وفي حدود بيان الحقيقة وكتمان النتيجة إن كانت غير مرضية، إلا إذا كان فاسقًا وبيانها فيه مصلحة للناس وهنا بمقدار ما يسمح به الشرع” بعيدًا عن الذوق والكره والهوى والتشهير أو التشفي والنيل من السمعة.
بعض الأمور والتعاملات اعتمادها على “الثقة” ومن غير تأكيدها قد تكون النتيجة مضيَعة لما يُشارك به، وأزيد أبرزها تسليم النفس والمال لمن ترى فيه الأمانة ظاهرة والقناعة والوثوق به، وباطنه جيفة نتنة من الخبائث، حتى إذا ما فتحت له قلبك أغواك إلى ضلال أو سلمت له مفاتيح خزائنك سلبك إلى أن يلف حبل المشنقة حول عنقك، فما نفعك حسن الظن وقد فرطت بجهلك في عدم البحث عن باطنه واعتمدت على ظواهر عمياء أضلتك الطريق.
إذن، لا بد من الاحتياط في هذه الحالة والتوثيق قبل التعامل، فإن رأيته صالحًا أجريت وإن كانت الثانية أمسكت وحفظت نفسك ومالك “ربما يكون سوء الظن في حالات طوق نجاة” كلنا على يقين أن الطائرة لا تطير إلا بعد فحصها للتأكد من سلامتها ومع ذلك يسقط بعضها، مَن يرد السفر بسيارة يصلحها استعدادًا للمسير وكم منها تعطلت قبل الوصول، أما إذا كنت بعيدًا ولا يعنيك الأمر بشيء ولا تخاف الضرر إن ظهر خلاف ما تظن ولا مِن سبب يدعوك للشكوك، لماذا تسيء وتشهر بما لا تراه يقينًا؟ ودون أن تُستَشار لتكون الناصح الأمين أو تظن السوء في المجتمع بأكمله، تتهمهم بالكذب والنفاق وتكثر من قول: لا يعمل أحد شيئًا إلا لمصلحة ينتظرها {الذئب لا يهرول عبثًا} كل هذا ليس جائزًا فاحذره وعواقبه “كبرت كلمة تخرج مِن فيك” أحسن الظن بالجميع حتى يتبين لك أبيضه من أسوده جليًا واضحًا، وإن استعصى عليك وعندك الشجاعة فأنت محتاج أن تزور طبيبًا متخصصًا في مثل حالتك يساعدك في التخلص منها.