قبل اختراع تقنيات التواصل الحديثة، كنا نقطع الوقت عند الحلاق في انتظار الكرسي بقراءة الجرائد والمجلات القديمة. يضع الحلاق طاولةً صغيرة في زاوية الدكان، عليها ما يهبه الناس من نشرات شركة أرامكو ومجلات وجرائد قديمة. وفي العادة هناك أعداد، أكل الدهر عليها وشرب وتمزقت من مجلة النهضة الكويتية!
المجلة التي صدرت في الكويت عام 1967م، على الغلاف الخارجي منها صورة امرأة جميلة وفي داخلها قصة جريمة العدد. أنا كنت -وغيري كثر- من المغرمين بتصفح الأعداد كلها وقراءة جريمة العدد، التي غالبًا ما تكون من خارج الوطن العربي، وإذا كانت في بلد عربي فهو بكل الأحوال بعيد عنا. لم أقرأ على ما أتذكر عن جريمة حصلت قريبًا منا، مع إمكانية حصول ذلك!
كنا نعتقد أن بيننا وبين العالم الآخر محيطات وبحارًا، وفعلًا كان الذهاب من القطيف الأم إلى جزيرة تاروت -آنذاك- يقتضي عبور البحر الفاصل بين مدينة القطيف والجزيرة. اعتقدت أن هناك عالمًا آخر -شيطانيًا- لا يشبه عالمنا في البراءة والنقاء، فلا يمكن أن تحصل جريمة أو اعتداء قريبًا منا وفي مجتمعنا، مجتمع صغير متشابك ومترابط.
خلخلت السنواتُ هذا المعتقد، فلم نعد نكترث لما نسمعه ونقرؤه عن جريمة، لكثرة ما نسمع من حوادث تغيرت هذه النظرة. بعدما كنا نقشعر ونهتز عند السماع أو القراءة عن جريمة العدد ويقف شعر أجسامنا، الآن نتصفح عناوين الأخبار ونهزّ أكتافنا غير مكترثين لجريمة أو اعتداء! تبلدت أحاسيسنا ومشاعرنا حتى الموت. نقرأ الخبر ونحن نتناول وجبة أكل دون أن نشعر بمغص في بطوننا أو نعاف وجبتنا!
سمها عولمة المشاعر، التعود، سمها ما شئت! أصبحنا نسخًا متشابهة من البشر، وإن بدرجات! لا ندري ماذا علينا أن نفعل أو نعمل لنحمي أنفسنا وأجيالنا من هذا التشابه المرعب؟! في أكفنا وسائل اتصال تجعلنا أرقامًا في عالم لا يعرف الفردية والخصوصية، وما عليك إلا زيارة أحد الحلاقين في هذه الآونة! لن تجد مجلات ونشرات قديمة بل شبانًا بقصات شعر مستوردة، وأكفًا مرفوعة تقرأ شيئًا ما وتتابع شيئًا ما! فظنّ خيرًا ولا تسأل عن الخبرِ!