عِندمَا تّتطابّق صُورة مُعيّنة يَانِعة مُثلى، بفَائق هُنيهَات استِحواذِها الماثل في صَهوَة الذهن الحاضِر؛ وتَستوثِق برَائق سُمعتِها الشائعة الذائعة، في قِمم نَاصِية الحَواس المُتوقّدة، في نَفرةِ- زِحامِ المَنكِب بالمَنكِب- وفِي لَحظات انبِلاج صَباحٍ نَفَسِ يومٍ مُعتدِل الحرارة، فإنّ مُحيّا- الصورة الشاخِصة الناطِقة- تدقّ كالناقُوس النابِض المُدوّي، في مُخيّلةِ صَفحةِ الوِجدان؛ لتُرسِل سَيلًا مُتواكِبًا مِن سَالِك إشارات “كَهرُوذَاتِيّة” إلى مَجاسّ أطرافِ الأنامِل النديّة، وتُحرّكها، بحَماسةٍ ذاتيةٍ؛ وتُقايضها بعُملةِ شَغفِ وَضعِ النِّقاط، فوق أسِنّة الحُروف؛ ليكتَمِل نَضد الكلِم، وتَتجلّى تفاصِيل الصورة المرسُومة ذاتِها مُسبّقًا، كالرمح المَمشُوق، وَاقعًا مَلمُوسًا، لَا تَحِيد عَن مَلاحَقة نَصله القائم عَين القارئ، حَتى تَحتوِي حَقيقة أصل الفِكرة؛ ويَتّضح واقع تلك الصورة المُلوّنة، بأبعادِها الثلاثيّة، في مُخيّلة ذهنِه الفطِن المُتيقّظ…
تلك الصورة بإطارِها المُستحوِذ في قِمّة ناصِية ذِهني، حرّكت أنامِل يَدي بخفّةٍ مِطوَاعةٍ؛ لأكتُب دِيباجة هَذه السطور المُبادِرَة… بعد أنْ فَرغت مِن رَي أحواض النباتات في أطراف تَهوية المنزل، بعد صَلاة الصبح؛ لأَشمّ شَذا رَوائح عِطرية؛ وأَرَى زُهورًا قد أينعَت وبرزَت مُختالةً، شاخِصةً بقَامَاتها المُنتصِبة الرشِيقة… فها هَي شُتُول الرَّيْحَان “المَشْمُوم” المُخضرّة، بأوراقِها العَريضة، تُناشِدني بقطفِ ضَمّةٍ مِن أغصانِها الفوّاحة في إكليلٍ أنيقٍ؛ لأزيّن وأُزخرِف به طاولة الإفطار؛ ليطِيب طَعم اللّقمة نَظرةً نَعيمةً، ومَذاقًا زَكيًا… وقد بَرعن النساء في منطقة الخليج، بتزيِين خُصلات شُعورِهن بلَفائف الريحان، ولَبِسنَها قَلائد مُستديرة فوق صُدورِهن… ولم أكدْ أخطُو بضع خُطوات؛ لأصَافِح شَتلة إكْلِيلِ الجَبَل “رُوزمِيري” بأوراقِها العطريّة الرائحة؛ لَتُهدِيني بحَفاوَةٍ وتَكرِيمٍ، حَفنةً صَغيرةً خَظراءَ، ذات رائحةٍ طَيّبةٍ؛ لأُتحِف بها مَذاق إِفطار الكِبدة المَقليّة؛ وأزيّن بها مَحاح البيض بَعد كَسرِه؛ ثم أدّخِر حَفنةَ أوراقٍ مِنها، لأُطيّبَ به وَجة شَريحة سَمك “السالمُون” اللّذيذ؛ ليتناغَم نَسيج لَون السالمون الجذّاب، الضارِب إلى اللّون البرتقالي، مَع شِدّة اخضِرار وُرَيقات الروزميري العٍطري، في حَاضر طَبقٍ نضرٍ، يَسيل بإعدادِه اللْعاب؛ وتَتضاعَف عِنده الشهِيّة، بالتمتّع بوجبةِ غَداءٍ لذيذةٍ مُزدوجةِ العَطاء: بالنظرِ إلى إكليل الروزميري، المُحتفَى به، فوق طَاولة الطعام؛ وتَذوّق وُريقات طعمِه النضِرة، وَسط شريحة السمك المَطهِي “المُدخّن” ليزيدها ويمدّها بفائق طعمٍ إضافي فاخِر؛ يُعزّز ويُحفّز مُكوِّن عُنصر حُمض الأُومِيقَا الثلاثِى المُغذّي… !
وفي حَوضٍ مُزهرٍ مُجاورٍ، أمعِن وأنعِم النظر الماتِع مِرارًا وتَكرارًا، في ابتسامة زُهور اليَاسَمِين البلدي البيضاء، وقد ابيضّت حُسنًا، وانتعشَت جَمالًا؛ واشرأبّت بأعناقِها الأنيقَة، بزهوِ دِقّةِ ورِقّةِ بَتلاتها، سُرُورًا وتَهلُّلًا؛ وقد تمايَلت بخُيلاءٍ جَمال الأبّهة؛ وانتشَت بزهوٍ تائهٍ في رَبيع نَصلِ قامتِها الهَيفاء الرشِيقة؛ لِتحكِي بفخرٍ وتجبّرٍ، قِصةَ عِشقٍ مُستهامٍ، وحَبكة حُبٍ حَالمٍ، بمَعيّةِ لَفيفِ شَبكةِ أعصاب الشّم المُستقبِلَة الوَلهى؛ لاحتِضان مَا نَشرَه أَرِيج، ونثره عِطر تلك الزهور السَّنِيّة المزهِرة… وَبعد مُغادرة “مَجلس الياسمين العطِر” رُحتُ أتتبّع فَوائد واستطبابات تلك الزهرة الغرّاء النديّة؛ لأَزدَاد مَعرفةً وَدُودًا، وتَعلقًا حَمِيمًا، وقُربًا حَانِيًا، يَتناغَم رَيعُ تلك المَشاعِر طَردِيًا، ويَتمازَج عَطاؤها تَصاعدِيًا، مع زَخم نِتاجِ- شُجيرة الياسمن- الوافِر، ومِدادِ طَيف أصدائها البهيّة الجاذِبة، بصَفاءٍ وجَلاءٍ، كُلّما لَمحت، بتعطّفٍ ولُطفٍ، زَهور الياسمين الرشِيقة مُتعالِيةً مُختالَةً، في فَسَاحة مَشاتِل الحَدائق الغنّاء… وعَرفتُ لَاحقًا، حَفنَةً واسِعةً مِن بعضِ فوائدها الجمّة؛ واغتَرفتُ غُرفَةً ضَافيةً مِن زُيوتِها العطِرة، لأحْدَث، وأنْجَع الاستطِبابات المُفيدة المُؤكّدة… ومِنها، رائق زَيتها الندِي العِطري، الذي لَا تَنساه الصبايا المِلَاح، أو تُهمله السيدات الحِسَان؛ لتنعِيم، وترطِيب، وصَفاء البشرة، وكَذا فَروة وشَعر الرأس… يُضاف إلى ذلك، شُرب واحتسَاء مَغلِي الزهور لغَرض الحِماية والعِناية بالجهاز الهضمي؛ ويُذْكر أيضًا أنّ المُستخلَص الزيتِي ذاتّه، مُنشّطٌ للدورةٍ الدمويّةٍ؛ ومُعقِمٌ للجهاز التنفسي، بوجهٍ عَام…
وهُناك، في الطرَف القريب، تَتباهَى شُتُول النعنَاع البلدي، بأوراقِها الخَضراء العّريضة، المُضمّخة بالرائحة النفّاذة؛ والمُزدَانة بمَذاق الطعم السائغ المُستساغ…. وشُتل النعناع الخضراء الوَرِقَة، الغَنيّة عّن عابَر التعرِيف، ومُتكلّف التوصِيف؛ فقد عَرف فوائدها واستخدمها الإنسان؛ وتعرّف على حُزمَةِ استطباباتِها الجمّة، عَن كَثب، مُنذ القِدَم… فالنعناعُ مُهدّئ للمعِدة؛ ومُفيد لصِحّة القُولُون العَصبِي؛ ويَتدخّل في عِلاج الإمساك؛ ويُحافُظ على صِحة الكبِد والمَرارة، بفضلِ قائمةِ زُيوتِه العطريّة المُعروفة، التي تخلّص الجسم مِن إفرازات السمُوم التراكُميّة الضارة؛ ويقلّل مِن احتِمالية الإصابة بالحُمّى؛ ويقوّي جِهاز المناعة… وقد شَاع استخدامها في المَخبوُرات والمَشرُوبات والمُستحضرات الطبيّة، مثل مَعجون الأسنان، والمُطهّرات الفَمويّة؛ لاحتِوائه على مَادتي: المِنثول، والإِسبرمِنت.
ولا يَفوتنِي أنْ أتوّج مَصفوفة تلك النباتات، والزهور العِطرية الفواحة، لزهرة الخزامى “اللّافِندر”… لفوائدها المُتعدّدة الجمّة، التي تتزايد يَومًا بعدَ يومٍ؛ ومَا تزال مَناضِد المُختبرات العِلميّة والبَحثِيّة تُطالِعُنا بمُستجِدّات واستِطبَابات زَهرة الخُزامى المَحبوبة؛ ومِن أكثر وأشهر استخداماتها، أنّ قَطرات مِن زيتها العطري، ومَنقُوع أزهارِها، مُفيدان لحَالات القلَق والإكتِئاب؛ يُضاف إلى ذلك أنّها مُريحة للأعصَاب، والجِهاز التنفسي؛ لذا يَنصح خُبراء الأَعشَاب بإضافة الزهور ونقعِها في أحواضِ الاستحمام، أو إضافةِ بضع قَطراتٍ مِن زيتها المُركّز؛ للغَرضِ ذاتِة… ويُفيد مُستخلصِها في عِلاج بعض المشاكل الجلديّة، والشعر. ومُنذ القِدم، بَادر الصينيون القُدامى باستخدام زيت زهزة الخزامى في مَساج الجسم والتدليك؛ ولَمَسوا فوائدَها الجمة، في إراحَة الأعصاب المُتعَبة، وبِناء الأستِرخاء… ومَا ذُكِر مِن فوائد زهرة الخُزامى المُجربّة، مَا هُو إلاّ غيضًا مِن فيضٍ مِن باقةِ واسعةٍ مِن الفوائد الكثيرة . وأمّا عن البلدان الرائدة في العناية بإنتاجِها: الصين، ودُول شوق آسيا، والدول الأوروبيّة، ويُذكر أَنَّ الدول العربيّة لها حِصّتها مِن مَحصُول الإنتاج العالمي… ولارتباط فَوائدها المُباشِرة بصحّةِ ورَفاهِيّة الإنسان، فقد لقّبتها الشعوب الأكثر استخدامًا لها “بزهرةِ الحُب”… وفي هُنيهات وَقفة رِياضة رَي الأَحواضِ الصباحيّةِ، والعنايةِ المُستدامَة بها، تتمازُج ذائقة رَواج الاستمتَاع المُعتاد، مَع هبّات رُوتِين النشاط الصباحِي المُنعِشة، وَسط إمدادٍ ضَافٍ وافرٍ مِن استِنشَاق فَيضٍ زَاخرٍ مَن أنظفِ جُرعات “الأْوزْون” النقِيّة… !