المسؤولية المهدورة

ما إن تحدث عندنا حادثة -وما أكثر ما يحدث- إلَّا وتجد المنظّرين والمغرّدين في مختلف قنوات التواصل وخاصة الواتساب، والذي يضم من هب ودب، يسارعون إلى “عك” الحكايا والروايات وكأنهم في سباق محموم على من يكون الشاهد الأول على حادثة لم يشهدها، والتي ربما تكلفه ما لا يحمد عقباه.

إن هذا التهافت المحزن أيًا كان غرضه هو مخالفة صريحة للعرف والحكمة قبل النظام، وهو ما قد يعقد الأمر، إضافة للألم المضاعف فوق الألم الحاصل من تبعات الحدث نفسه.

لا بد من التريث بل الامتناع والبعد عما لا يخص أحدًا سوى المعنيين بالحادثة، حتى لا يقع أحدٌ في المحذور الذي سوف يضر بهِ بلا شك، حتى وإن كان حقيقة مجردة.

هذه الحقيقة والتي -مع الأسف- تحملها بعض الحوادث وسببت إزهاق بعض الأرواح؛ كالغرق والموت في الملاعب، أو الدهس، أو اختفاء بعض الأشخاص ربما لأسباب عادية كمرض أو خلافه، والأدهى والأمر هو ما يتكرر كل عام على الزهور اليانعة من الأطفال البريئة التي تختطف أرواحهم بسبب الإهمال أو الغفلة سواء أصحاب الحافلات أو في برك السباحة أثناء الإجازات، نقول إن هذه الحقيقة التي تحمل بين طياتها “فواجعًا” ما كانت لتحدث لو أننا احترزنا قبل وقوعه.. كيف يكون ذلك؟.. هي مسؤولية مشتركة بين الأطراف على اختلافهم.

فلا يمكن أن يترك طفلٌ في بركة سباحة دون انتباه، بل يمنع ذلك أصلًا.. ولا يمكن بدون احتياطات أن يؤمن على الأطفال في الحافلات لا من حيث تهور بعض السائقين، أو انشغالهم بالهاتف الجوال مهما كانت الذرائع، وهو الأخطر، ولنا أن نتصور لو حدث حادث لحافلة غاصة بالأطفال بسبب لحظة غفل فيها السائق منشغلًا بجواله.

ما نقترحه هنا، ونحن على يقين أن الجهات المسؤولة حريصة عليه هو الترخيص للحافلات تحت شروط معينة؛ أهمها وجود مرافق أو مرافقة مع السائق مهمتهما الاعتناء والحرص على سلامة الأطفال، ومنع أي حافلة من العمل دون وجود هذا المرافق أو هذه المرافقة، أو بديلًا لأحدهما، مع تسليم وتسلم كل طفل عند بوابة المدرسة وتسلمه وإيصاله إلى داخل منزله سالمًا بعد نهاية الدوام.

وأما البرك، فلا مناص من منع دخول الأطفال أو التشديد على منعهم من الاقتراب خاصة من البرك المكشوفة، وبشروط يضعها صاحب المكان تحت مظلة رسمية، مع ضرورة أن يكون المكان مهيئًا ومحصنًا، مع وجود أدوات السلامة المطلوبة.

هنا فقط، نطرح ما نعتقد أنه يساعد في منع الحوادث، مع يقيننا بأن هناك ما هو أشمل، ضمانةً لسلامة الناس وأرواحهم.

كما أن الأهل يتحملون جزءًا من المسؤولية بلا شك، وهو الحرص على تنبيه أطفالهم، وكذلك اختيار السائق المشهود له بالحرص والحذر ومخافة الله، وليس أولئك الذين تركوا دراستهم بدون سبب سوى كره العلم والتعلم، أو بحجة الحاجة المادية واتخذوا من “السياقة” سبيلًا لسد الفراغ لا أكثر، ومع الأسف أن بعض هؤلاء ينتسبون لعوائل مقتدرة، ولكنهم يفتقدون القدرة على ضبط أبنائهم وإلزامهم بالدراسة رغمًا عنهم، وهو ما لا يحدث إلا نادرًا.

لا نريد أن تكون هذه ظاهرة نبتلى بها، فيقع المجتمع كله تحت طائلة المسؤولية، وهو في الحقيقة مسؤول بشكل أو بآخر، لأنه لا يمكن تجاهل حوادث هكذا تحدث دون اكتراث والتفات، متغافلين عن اتخاذ ما يضمن تفادي حدوث فواجع ما كانت لتحدث لو اتقيناها باتباع أصول السلامة، فلا بد من اليقظة وأخذ الأمور مأخذ الجد، لأن هذه الحوادث تتكرر ونحن فقط نتابع ونسرد الحكايا دون تبصرة واتقاء، فلا يكاد يمر عام دراسي أو إجازة صيفية دون وقوع واحدة أو أكثر من هذه الفواجع، والسبب -مع الأسف- هو الإهمال والإفراط في الثقة من الأهل أو الأطراف الأخرى، ونحن فقط نأسف ونتباكى ونسترجع ثم ننسى، وكأن شيئًا لم يكن.



error: المحتوي محمي