تدريس علم الدراية
لا يزال حيّ السيّدة زينب (ع) في سورية مسرحاً لكثير من الأحداث والمواقف التي جمعت بين الجدّة والطرافة والمعلومة التي تنحصر في أذهان نفرٍ من الناس دون غيرهم.
ولما أخذنا على نفسي في هذه الزاوية نشر ما يمكن نشره على الملأ في ذلك الحي، ها نحن في ذي الحلقة نذكر ما كان في آخر سنة ١٤١٢ هجرية، حيث ذهبت إلى مكتب المرجع السيد الخوئي (قدّه)، فعرّفني أحد الطلبة هناك أنّ المكتب على وشك الشروع في تدريس علم الدراية، والمدرّس المرشّح لتقديم الدرس هو الشيخ سلطان الأفغاني، فأبديت رغبتي بالالتحاق بحلقة الدرس. فحضرت ضمن ثلاثين شخصاً تقريباً، ولم يستمرّ هذا الدرس إلّا مدّة شهرين وربما أقلّ.
ثم تدور عجلة الزمن سنوات طويلة، حتى كتب الله ليَ التوفيق للتشرّف بزيارة النجف الأشرف لتقبيل العتبات المقدّسة وزيارة أمير المؤمنين (ع).
وأيضاً كانت سانحة للتشرّف بتقبيل يدي مقام السيّد السيستاني، وكان مكان جلستي بجانب السيد مباشرة، وهناك اتفاقًا التقيت الشيخ سلطان الأفغاني، فتذكّرني وسلّمت عليه سلاماً حاراً.
الأستاذ القدير
أستاذنا المجتهد الشيخ سلطان بن علي الفاضل الأفغاني، ولد في أفغانستان عام ١٣٦٦هجرية الموافق 1946م.
أخذ دروسه الأولية في بلدته، وفي عام ۱۳۸۸ هجرية شدّ الرحال إلى النجف ليكمل ما تبقى له من السّطوح، وانتقل بعدها للبحث الخارج فحضر عند:
السيّد أبو القاسم الخوئي، والسيّد الشهيد محمد باقر الصّدر.
وفي نهاية عام ۱۳۹۹ هجرية هُجّر قسراً إلى سورية، وهناك التقى الشهيد السيد حسن الشيرازي، فألحّ عليه بالبقاء فيها وعدم الهجرة إلى إيران؛ لتقوية الحوزة العلمية بجوار السيدة زينب عليها السلام.
استجاب لطلب السيّد الشيرازي وبقي فيها أستاذاً مرموقاً، يدرّس من المقدّمات إلى نهاية السّطوح العالية.
وقبل أكثر من ۱۸ عاماً بدأ بتدريس البحث الخارج فيها، وإثر الأحداث التي جرت في سورية غادرها نحو مدينة كربلاء، وبدأ فيها بتدريس البحث الخارج ولا يزال مقيماً فيها.
مؤلفاته:
النظام الإسلامي في واقعه.
تقريرات بحوث الشّهيد الصّدر.
من لطائف وكلمات أستاذنا
قرأت مقالة في بعض الخواطر والوثائق للكاتب أحمد علي مجيد الحليّ النجفيّ، فيقول باختصار:
في يوم 4 شهر رجب سنة 1442هـ جمعني التوفيق مع جناب الفاضل الشيخ سلطان الفاضل الأفغاني في قسم المعارف في العتبة العبّاسية، وهو من تلاميذ آية الله الشهيد السيّد محمّد باقر الصّدر لتسع سنوات.
ومما قاله الشيخ سلطان:
كان السيّد محمّد باقر الصّدر يمدح السيّد السيستانيّ كثيراً، وقد سمعت ذلك منه مراراً، ففي يوم من الأيّام سألت السيّد السيستاني أسئلة كثيرة، فسألني: عند من قرأت؟
فقلت: عند السيّد الصدر.
فقال: نعم الأستاذ ونعم التلميذ.
فنقلت كلامه هذا للسيّد الصّدر، فأعطاني خمسة دنانير هدية منه، ومدح السيّد السيستاني كثيراً.
وكنت ألتقي السيّد السيستاني في طريق زيارة الحرم، وكان ولده السيّد محمّد رضا يصاحبه صغيراً، وكنت أسأله كثيراً، ولـمّا رجعت من سورية إلى العراق ذهبت لزيارة السيّد السيستاني، فرأيت أنّ كلّ هذه الذكريات عالقة في ذهنه، ومن جملتها *نظرية التعويض في الأسانيد، فطلاب السيّد محمّد باقر الصدر يرون أنّ هذه النظرية هي من مبتكرات أستاذهم الصّدر، فسألت السيّد في الطريق عن ذلك، فتبسّم في وجهي قليلاً، وقال:
راجع كتاب المير داماد *(الرواشح السمّاويّة).
وبحسب نظري وعقيدتي (الكلام ما يزال للشيخ الأفغاني) أنّ السيّد السيستانيّ في الدراية والرجال أقوى من السيّد الخوئيّ والسيّد الصدر، وهو أفضل علماء النجف بالرجال في ذلك الوقت؛ لأنّه تلمذ عند السيّد حسين البروجردي لأكثر من سنتين.
الذكي الفطن
كانت له نظريات جديدة في الفقه، وكان دائم التفكر والتأمّل في المطالب العلميّة، وهو ذكيٌّ جدًّا، وكان درسه قائماً في بيته، ومستغنياً قبل خمسين سنة حين ورودي للنجف الأشرف عن الدرس، ودرسه في بيته بـ (البراق)، ولم يدرّس بعيداً عن بيته؛ حتى لا يفوته الوقت في الذهاب والإياب.
وكان لا يبحث عن الشهرة، ولا يسأل أيّ أحدٍ عن تقليده، وكان ورعاً تقيًّا، وهو في المرجعيّة مثل الشيخ الأنصاريّ والمجدّد الشيرازيّ، فالمرجعية مشت إليهم، ولم يمشِ هو إليها، فقد طلب منه السيّد الخوئي أن يقبل المرجعيّة، ولم يطلبها هو بنفسه.