يمكن أن أُعرّف المنكر الأُسريّ بأنّه نمط من السلوك الشاذ يحاول فيه أحد أفراد الأسرة العبث بمبادئ الأسرة ومقتنياتها الفكريّة والخُلقيّة والدينية بالانحراف أو التبديل أو التجديد اللا أخلاقي، وقد أوصد أذنيه عن أيّ محاولة للنصح تُقدّم له، إلى أن يُصبح الشاذ مقبولًا في عرفه والحرام حريّة شخصيّة في معتقده.
ومن الصور المؤلمة في نطاق الأسرة أيضًا:
لا شأن لي بأخي الذي ترك الصلاة، إنّ له ربًّا يحاسبه، ولا حاجة لي في نصح أختي عندما تركت الحجاب فهذا الأمر مسؤولية أبي وأمي.
إنّ طفل اليوم يتربى بين الآيباد والقنوات المفتوحة التى تُخطط لانهيار الأسرة فتستقطب الناشئة والأطفال عن طريق الفن والمشاهير ومتابعة أخبارهم، ومع الأسف الشديد النتائج مروعة، بل يصبح الوضع مخيفًا؛ ففي كلّ يوم نسمع عن إحباط أجهزة الأمن لشحنة مخدرات والقبض على مروجيها، من جهةٍ أخرى وعلى الرغم من إعطاء المرأة الفرص الوظيفية المتعددة في قطاعات الدولة، إلا أننا مازلنا نسمع أخبار الهاربات لدول أخرى بحجج مختلفة، وتكفُّل هذه الدول بمصروفاتهن، وتدمير قيمهن وعقائدهن الإسلامية، وذلك بدعوتهن للانتماء إلى حركات تنافي الفطرة الإنسانية السويّة فضلًا عن منافاتها لقيمنا العربية والإسلامية كإشهار الإلحاد أو تشجيع (المثليين).
إن زرع تلك الحسابات في مواقع التواصل الاجتماعي يعمل على تبني الحالات الشاذة في مجتمعنا وهو طريقٌ لهدم القيم النبيلة ولطمس جميع طُرق الفضيلة شيئًا فشيئًا حتى تصعب السيطرة على من يمتلك حصانة ضعيفة في مجتمعنا من الأطفال والمراهقين.
والإسلام يخاطب فينا الحس الأسري فكلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن أسرته.يقول الله عزّ وجل:
(وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) سورة آل عمران: 104.
لْتَكُنْ بيننا أُسرةٌ تدْعُو إِلَى الْخَيْر وتحافظ على الطفولة البكر من لوثة المغريات المُدمّرة وتحتوي عقول الناشئة بالمنطق والدليل، فخطر تلك الحسابات المنتشرة على مرأى الأطفال وعلى العيان أمر يستدعي جميع جنود العقل.
من جهة أخرى يسعى هؤلاء -عبر حساباتهم- إلى انسلاخنا التدريجي من هويتنا وهذا يأخذنا لخطبة الرسول الكريم في حَجَّةِ الوداعِ عندما خطب فقال: (إنَّ الشَّيطانَ قَد يَئسَ أن يُعبَدَ بأرضِكُم ولكنْ رضِيَ أن يطاعَ فيما سِوى ذلكَ مما تحقرون من أعمالِكُم فاحذَروا).
ومما لا شك فيه أن مواجهة التربية الشاقة بالصبر وسعة الصدر يكفل لنا بناء أسرة صامدة في وجه المتغيرات؛ لأنّ أفرادها سوف يكونون في منأى عن الاستدراج فأساسهم كان على نار هادئة وصبر المربي من تمام عقله.
ثمّة أمر آخر يجب أخذه بعين الاعتبار وهو الابتعاد عن الأسلوب الشاق المُنفّر من العبادات، ونبذ أسلوب الترهيب من العقاب الإلهي فالله رحيم ودود وما تطيقه أنت لايطيقه أولادك.
(فإنّ الناس لا يحتملون ما تحتملون).
ويضرب لنا الإمام الصادق مثلًا لحسن التعامل والرفق وعدم التشدد في الدين فيقول: “إنه كان رجل مسلم وكان له جار كافر وكان الكافر يرافق المؤمن فلم يزل يُزيّن له الإسلام حتى أسلم فغدا عليه المؤمن فاستخرجه من منزله فذهب به إلى المسجد ليصلي معه الفجر جماعة فلما صلى قال له: لو قعدنا نذكر الله حتى تطلع الشمس فقعد معه فقال له: لو تعلمت القرآن إلى أن تزول الشمس وصمت اليوم كان أفضل فقعد معه وصام حتى صلى الظهر والعصر فقال له: لو صبرت حتى نصلي المغرب والعشاء كان أفضل وهكذا ظل يلاحقه وحمل عليه ما لايطيق. فلما كان من الغد غدا عليه وهو يريد ما صنع بالأمس قال له: انصرف عني هذا دين شديد لا أطيقه!”.
أخيرًا، إن الانسجام هو أفضل ما نخلقه بيننا وبين أبنائنا وهو طريق يقودنا للألفة والمحبة الصادقة، فيختفي شعور الغربة الذي يشعر به الأبناء عندما نبتعد عنهم ثمّ ينحدرون إلى أسواق الحب المختلفة ويبحثون عن الاهتمام الزائف فيختارون أسوأهُ.