في الخط الثقافي.. د. خالد النويصر: الانفجار المعرفي والتقدم العلمي والتّقني والعولمة أهم تحديات التعليم في العصر الرقمي

ألقى الدكتور خالد رشَيد النّويصر عميد كُلّية التّربية وعُضو هيئةِ التَدريس بجامعة الإمام عبد الرّحمن بن فيصل بالدّمام سابقًا، محاضرة تفاعلية بعنوان “التّعليم وتحدّيات العَصر الرّقميّ” بمنتدى الخط الثقافي بالقطيف.

وأدار المحاضرة الدكتور مهدي الطاهر، عُضو هيئةِ الَتدريس بجامعة الإمام عبد الرّحمن بن فيصل بالدّمام سابقًا، ومؤسس مركز رفاه للإرشاد الأسري.

وتناول الدكتور خالد النويصر في بادئ الأمر النظام الاجتماعي العام في المملكة والدول المعاصرة، والذي يتكون من أنظمة فرعية عديدة؛ مثل النّظام السياسيّ، والنّظام الاقتصاديّ، والنّظام الصحيّ، والنّظام التعليميّ، وإن كانت تجمعها غايات مشتركة، إلا أن لكل نظام فرعي منها أهدافه الخاصّة التي صمم لتحقيقها.

وبين أن العلاقة بين النظم الفرعية تفاعلية وتكاملية؛ فما يحدث في النظام الاقتصاديّ، على سبيل المثال، ينعكس بالضرورة على نظام التعليم، ويؤثّر في أهدافه وعملياته ومخرجاته. بل إنّ نتائج التأثّر تنعكس بدورها على النظام الاقتصاديّ ذاته. فالتفاعل بين الأنظمة الفرعية ذو اتجاهين متعاكسين.

وأوضح أن الحكومات تعطي أهمية بالغة للنظام التعليمي؛ لدوره الجوهري في المجتمع، فهو المعني بتهيئة أبنائه وإعدادهم كمدخلات لكل النظم الأخرى، وتحرص على إصلاحه وتطويره ليحقق وظائفه بكفاءة وفاعلية.

وقال: “قد يكون تطوير نظام التعليم هو مدخل تطوير المجتمعات، والقاعدة التي تنطلق منها عمليات تشخيص ضعفها أو تعزيز قوّتها”.

وأشار إلى أنه من الطبيعي أنْ تتغيّر أهداف نظم التعليم بين وقتٍ وآخر؛ ليس لمسوغات داخلية فحسب، بل لعوامل خارجية أيضًا؛ فقد أصبح العالم مترابطًا، وما يحدث في جزءٍ منه، يؤثّر حتمًا في أجزاء أخرى، وبدرجةٍ تزيد أو تنقص وفقًا لطبيعة الحدث وشدته. ولعلّ التطوّر الكبير الذي يشهده عصرنا في تقنيّات المعلومات ووسائل الاتّصال جعل عالمنا صغيرًا، تقلّصت فيه فاعلية أدوات الحصانة والتأثّر إلى حدٍّ كبيرٍ.

وأكد “النويصر” أنّ رصد تطور أهداف نظم التعليم في كلّ المجتمعات، وتغيّرها عبر العصور؛ يُشير إلى تغيّر مُعظمها، إمّا استجابةً لمتغيّرات داخليّة أو خارجيّة، سياسية كانت أو اقتصادية، مقبولة كانت أو غير مُرحّبٍ بها، دون اعتبارٍ كبيرٍ لعوامل الجغرافيا والحدود السّياسيّة.

وتحدث عن أهداف التّعليم عَبْر العُصور قائلًا: “عندما كان الإنسان يزرع حاجته من الغذاء، حرص على تعليم أبنائه كيف يزرعون ويحصدون، وكانت الأُسرة وأماكن العبادة هي من تقوم بوظائف التنشئة الاجتماعية والمهنية، ولكن الحاجة للتخصص والفاعلية فرضت إنشاء المدارس، ومن ثمّ تصميم “نظم التعليم” التي نعرفها في عصرنا، وهي وسائل تحقق أهدافًا تتناسب مع احتياجات النّاس ومُعطيات حياتهم، وتطلّعاتهم للمستقبل.

وتناول أهداف التّعليم في عَصْرِ الزّراعة
ففي القرن الثامن عشر (قبل العام 1800م) كانت الأرض والفلاحون ورأس المال هم أركان العمل والإنتاج والقيمة المضافة؛ من تعليم مهارات تصنيع الأدوات لممارسة حرف تلبّي الاحتياجات الأساسية، ونقل المعرفة والخبرة الزراعية للأبناء، وتعليم القراءة والكتابة والحساب (للأقلية)، وتنشئة الأبناء وفق المعتقدات والثقافة الموروثة، وتعليم الزراعة والحرف اليدوية لتوفير الغذاء للأسرة وللمجتمع.

وتحدث كذلك عن أهداف التعليم في عصرِ الصّناعة، ففي القرن التاسع عشر (1800م – 1957م) حلّت المصانع مكان المزارع، والعمالة الصّناعيّة والآلة مكان الفلاحين؛ من إعداد مهنيين متخصّصين، وتوظيف العلوم والهندسة في التطور الصناعي، وتعليم القراءة والكتابة والحساب (للأغلبية)، وتعليم الإدارة والهندسة (للبعض)، والمشاركة في منظمات المجتمعي المدني والأنشطة المهنية المنظمة، بالإضافة إلى التواصل مع ثقافات وجماعات أخرى مع المحافظة على القيم الفردية.

وأوضح الأبعاد الرئيسة لنظم التعليم المعاصرة؛ وهي: غايات التّعليم؛ الأهداف العامّة والأهداف الخاصّة؛ (الإعداد للمهنة، أي كسب العيش، وسلوك الأفراد وواجباتهم تجاه المجتمع وثقافته، وحقوقهم، أي الإجابة عن السّؤال: لماذا نُعلّم؟ وكذلك متطلبات تحقيق الأهداف؛ طرق التّدريس، أساليب التّقويم، السّياسات والتنظيم الإداريّ، سلّم التعليم (المرحلة العمريّة، المرحلة الدراسيّة، السّنة الدراسيّة، وغيرها؛ أي الإجابة عن السّؤال: كيف تتحقّق الأهداف، ومتى؟ ثم من يُحقّق الأهداف؛ المُتعلّمون، المُعلّمون، الإداريّون، والآباء والأمهات؛ أي الإجابة عن السّؤال: منْ؟

وتناول “النويصر” بعد ذلك أهم تحدّيات القَرْنِ الحَادي والعِشْرين التّعليميّة، موضحًا أن لكُلّ قرنٍ تحدّياته. وهي حقيقة تتّسق مع تطَوّر الإنسان وأساليب تكييفه لعناصر بيئته، ومع تكيّفه هو مع مُتغيّرات حياته اليوميّة، حيث يطرح المفكرون والفلاسفة قُرب نهاية كُلّ قرنٍ إجاباتهم عن التّساؤل عمّا ستواجهه البشريّة في مستقبلها، ومع نهاية القَرْنِ العشرين ومشارف القَرْنِ الحَادي والعِشْرين تكرّر طرح السّؤال، وتكرّرت محاولاتُ الإجابة.

وحدد الإجابة بالمملكة العربيّة السّعوديّة؛ بأننا نجدها في وثائق نشرتها إدارة مشروع الملك عبد الله بن عبد العزيز لتَطْويرِ التّعليم العام؛ والذي أشار إلى ثلاثةِ تحدّياتٍ تعليميّةٍ تنبغي مواجهتها؛ وهي: الانفجارُ المعرفيّ، فقد تضاعف حجم المعلومات وتعدّدت مصادرها؛ فأصبح إنتاج المعرفة واستخدامها هو ما يمَيّزُ بين الدّول المتَقدّمة وغير المتَقدّمة، والتحدي الثاني هو التّقدّم العلميّ والتّقنيّ؛ فقد أضحت الحاجّة ماسّة للقوى البشريّة المُتعلّمة والقادرة على التّعلّمِ الذّاتيّ، والثالث هو العَولَمةُ الاقتصاديّةُ؛ حيث المنافسة القويّة، والحاجة لجيلٍ من المُنتجين المُبدعين. وترى الوثيقة أنّ مشروع الملك عبد الله لتَطْويرِ التّعليم سيُسهم في إعداد أبناء الوطن بإكسابهم مهارات ومعارف تُعدّهم لتخطي تلك التّحدّيات، فهدف المَشْروع هو الإسْهامُ الفعّال في رَفْعِ قُدُرات المملكة التنافسية.

وامتازت المحاضرة بتفاعل الحضور مع المحاضر عبر الاتصال بالنت والمشاركة بإبداء الرأي في عدة محاور هي؛ تصميم نظم التعليم الحديثة، وغايات التّعليم وأهدافه العامّة، والخاصّة؛ المسؤولية الاجتماعية، السلوك الفردي، والمهنة، وكذلك وسائل تحقيق الغايات والأهداف؛ طرق التّدريس، أساليب التّقويم، والمباني والتجهيزات، وأيضًا سُلّم التّعليم؛ المرحلة العمريّة، المرحلة الدراسيّة، السّنة الدراسيّة، والمناهج الدراسيّة؛ المجال، الوزن، العُمق، البرامج، الأنشطة؛ بالإضافة إلى القوى البشرية؛ المُتعلّمين، المعلمين، الإداريّين.

وأشار “النويصر” إلى تطوّر غايات نظم التعليم وأهدافها عبر ثلاثة عصور؛ العصر الزراعي، العصر الصناعي، والعصر المعرفي.

واستعرض أبرز التّحدّيات التي يواجهها العاملون في التّعليم، والمربّون في العصر الرقمي؛ من تطَوّر تقنيّات الاتّصال المعلومات، وتعدّد مصادر المعرفة، وأدواتها، وفهم خصائص المُتعلّمين، والتّعامل معهم، وتطوّر دراسات الدّماغ، والكشف عن طبيعة عملية التّعلّم، والغموض في طبيعة مهن المستقبل ومُتطلّباتها.

وبين “النويصر” سبل مواجهة تحدّيات التعليم في العصر الرقمي، وهي؛ مهارات القرن الحادي والعشرين، وتشمل تاريخ الحركة وتطورها، وتجارب عربية في تبني مهارات القرن الحادي والعشرين، وتجارب عالمية لحكومات ومنظمات مهنية في تبني مهارات القرن الحادي والعشرين، وكذلك العوامل المشتركة بين التجارب والدروس المستفادة.

وقدم في النهاية بعض التوصيات والمقترحات، وأبرزها؛ تبنّي مشروع متكامل لتضمين مهارات القرن الحادي والعشرين في التّعليم. وركائزه هي؛ إجراءات منهجيّة، (تشارُكيّ): يُسهم فيه كلّ أطراف المُجتمع، (شامل): لكلّ مراحل التّعليم، ومكوّناته،
(مَرن): يخضع لتطوير دوريّ مُستمرّ، بالإضافة إلى توظيف نتائج دراسات الدّماغ في التّدريس بتضمينها في برامج إعداد المعلمين، وفي برامج تنميتهم المهنيّة، وتوظيف تقنيّات الاتّصال والمعلومات في التّدريس بتضمينها في برامج إعداد المعلمين، وفي برامج تنميتهم المهنيّة.

واختتمت المحاضرة بتقديم الدكتور وجيه عبد الإله أبو السعود عضو هيئة التدريس ومدير مركز تقنيات التعلم بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالظهران، والدكتور علي الحداد مدير مستشفى القطيف المركزي والمدير الطبي لمستشفى الزهراء بالقطيف سابقًا، وفؤاد عبد الواحد نصر الله راعي المنتدى، درع المنتدى وشهادة التقدير للمحاضر ومدير الجلسة.




error: المحتوي محمي