الأم سفينة نجاة

الأم أمان في الدنيا وطريق للجنة لو لم يُوص ببرها والإحسان إليها لوجب علينا فعل ذلك ابتداءً من أنفسنا ردًا لبعض جمائلها وما قامت به وقدمت من خدمات من حملها حتى زواجنا واحتضان أولادنا وإلى آخر حياتها لا يقدمها أحدٌ لأحدٍ مهما كان قُربه وحُبه منه وإليه.
كم تعبت نهارًا لترانا في رغد عيش! ومسهدة ليلًا لننام في راحة وقد طاب لغيرها الرقاد، تبكي بحرقة إن أصابنا مكروه تتمنى لو أنها مَن أُصيب، تدعو لنا من غير طلب وقد اشتعل الرأس منها شيبًا، تنشغل بهمومنا تحمل متاعبنا وهي في حاجة لمن يحملها “رحمك الله يا أمي كم أنا مشتاق إليك!” هنيئًا لمن أمه من الأحياء تُرزق يقبل رأسها كلما أقبل يلاطفها إن جلس عند قدميها حتى يراها باسمة الثغر ترافقه في السفر أو يمكنها منه متى رغبت، إنكَ بهذا في جنة نعيم تشم ريحها من غير شعور.

إذا انفصل الأبوان تحرص على حضانة طفلها وتحاكم أباه من أجل ذلك إن رفض “حمَله خفًا وحمَلته ثقلًا وضَعَه شهوة ووضَعته كرهًا” لماذا؟ تقول إنه صغير محتاج من يعتني به ويرعاه لا يريحها أو يطمئن قلبها أن يخدمه سواها وهو بعيد عنها وإن بإخلاص.

تحرم نفسها بعد الطلاق أو الترمل من الزواج لصالح صغارها تجوع لتطعمهم تحرم نفسها الجديد لتلبسهم، وفي حالات تستجدي لأجلهم، الولد قلب أمه حتى إذا ما غاب عنها “أصبح فؤاد أم موسى فارغًا” تفقد عقلها إلى أن تجده أو تلزم النياحة حتى يعود وربما تموت دونه.

نعم هذه الأم وما أدراك وما قدمت فهل شكرناها وبماذا جزيناها؟ خيرنا والمحظوظ “ولكن أين يوجد مثله؟” مَن يعطيها قبل أن تطلب بإكرام وحب ونفس طيبة ويرى أنه مقصر في حقها يتمنى تقديم المزيد لكن الحال لا يمكنه حتى وإن أمكن لا يوفيها جزءًا من حقها مع ذلك وأنها سابقة التفضل عليه يشكر لمواقفه هذه، البعض هداه الله إذا أعطى بعد إلحاح ومطالبة عطائه قليل وبمنٍّ وعن نفس غير راضية، وصنف نسيها من هذا وذاك وإن بحثت عنه باتصال لتسمع صوته أو سؤال لتراه لن تجده تنقطع أخباره لا تعلم في سجن هو أم حر طليق في صحة أو مصاب.

وهناك مَن يعامل أمه بوحشية وخشونة وعند سؤاله يقول المعاملة بالمثل إنها سيئة خلق وهل كانت كما تقول وهي تزيل الأوساخ عنك ترضعك تجهز طعامك وأنت محمول على كتفها تتابع دروسك لتكون في مقدمة زملائك؟ أهذا حقها عليك؟ وجزاء إحسانها؟ يرضيك أن يعاملك أولادك بمعاملتك لها؟ وآخر لا وفقه الله في دنيا ولا رضي عنه في آخرة لا يكفيه تركها تصارع الحياة وحدها وقد نالت منها السنون ثقل منها السمع وقصر البصر وتقوس الظهر ونكس العمر وضعفت قواها بشقاوته يريد أخذ ما عندها جبرًا وبالإكراه يبيع مقتنياتها يخوفها إلى أن تحقق مطلبه أو يصيبها بالأذى ويضحي بحياتها “أوما علمت إنك منهي من قول أف لها” قُطعت يدُك من عاق. قال الشاعر : أغـرى امـرؤٌ يومًا غـلامـًا جـاهـلًا

بــنـقـوده حـتّـى يـنـال بـه الوطـر

قـال ائتـنـي بـفـؤاد أمـك يـا فـتى

ولك الدّراهــم والجــواهــر والدّرر

فـمـضـى وأغـمـد خـنـجـرًا في صدرها

والقـلب أخـرجـه وعـاد على الأثر

لكـــنّه مـــن فــرط ســرعــتــه هــوى

فـتـدحـرج القـلب المـضـرج إذ عثر

نـــاداه قـــلب الأم وهــو مــعــفّــر

ولدي حـبـيـبـي هـل أصـابـك مـن ضرر

فــكــأن هــذا الصــوت رغــم حـنـوّه

غضب السماء على الولد انهمر

فــاســتــل خـنـجـره ليـطـعـن نـفـسَه

طـعـنـا سـيـبـقـى عـبرة لمن اعتبر

نــاداه قـلب الأمـ: كـفّ يـدًا ولا

تـطـعـن فـؤادي مـرتـين على الأثر

بروا أمهاتكم في الحياة بعد الفراق لا ينفع الندم، الأم جنة فاكسبوا رضاها لتنالوا من الله رضاه.



error: المحتوي محمي