تربطني مع عديد من الإخوة المثقفين والأدباء في المنطقة علاقة محترمة بحكم الالتقاء بهم، والمثاقفة معهم والاستفادة منهم في الكثير مما لا أدعي معرفته.
ما يهمني هنا هو ما كشفته لي حقيقة هؤلاء، حين تيقنت أن وصولهم إلى ما هم عليه من المعرفة والدراية العميقة بمختلف التوجهات الثقافية لم يأت من فراغ، بل إنهم تعلموا وتعبت أنفسهم كثيرًا، وربما لعقود بالجهد والمثابرة والتوجه التام لتنمية قدراتهم وسبر آفاق الثقافات المتنوعة -وإن غلب عليها الشعر والأدب في العموم- حتى أصبحوا أساتذة المجال، يفرغونه علمًا وفهمًا وفنًا وإبداعًا على غيرهم من المهتمين من خلال نشاطهم النوعي المتعدد.
من لديه هواية أو ملكة معينة يريد أن ينميها، فليجتهد ويقرأ ويتعلم، ويطلب العلم من أهله، فالمعرفة لا تأتي بالسليقة، والثقافة لا تهطل من السماء، والملَكَة -وإن كانت محروزة- تحتاج إلى اتقاد، ولن يكون ذلك دون اطلاع وإثراء، وليس ادعاءً لها ممن لا يملكها.
الكتابة هي إحدى الثقافات المتنوعة، وهي في الحقيقة ما جرني إلى ما ذكرت آنفًا وأذكر تاليًا، لأخص كتابة المقال بالمقصد، فمن خلال تجربتي الشخصية أجزم أن كتابة المقال فن ومهارة، وتحتاج من الكاتب سعة اطلاع وقوة استشعار وتشخيص، كما تحتاج لسهولة العبارة واختصار الفكرة حتى تصل للقارىء يسيرة الهضم، وافية المطلب.
وعلى اختلاف المقال وتنوعه، فإن كل كاتب له أسلوبه الخاص، تمامًا مثلما له متابعون لدرجة أنهم يعرفونه حتى دون كتابة الاسم.
ما يؤسف له حقيقة، أن هناك من يحاول امتطاء الموجة رغبة في الظهور وهو لا يملك ما يشفع له ليدرج تحت أي مسمى. أقول ذلك ولدي علم ويقين أن البعض قد لجؤوا -مع الأسف- لاستنساخ جهود الآخرين في بعض ما كتبوا حرفيًا في بعض المواقع والتطبيقات دون أن يتعبوا أنفسهم حتى في بلورة الفكرة المكتوبة لإظهارها بصورة مختلفة، والسبب أنهم يفتقدون القدرة على ذلك؛ لضحالة ثقافتهم وقصور فكرهم، وبالرغم من ذلك يصرون على القول بأن ذلك من محض أفكارهم، بالرغم من مواجهتهم بالقص واللصق، فلا ينكرون بل يتحججون بالقول أنه مجرد استقاء للفكرة والمعنى، وليس نسخها.
والأدهى من ذلك أن بعض المقالات تصل إلى بعض المواقع بعبارات ركيكة، مفتقرة لصحة الإملاء والقواعد اللغوية والنحوية، بل يطلبون تصحيحها، والإصرار على نشرها، هذا غير بعض الكتابات التي لا يمكن نشرها بتاتًا لأسباب مختلفة.
فلو أن أحدًا يتابع بعض من يكتبون كمثال، يكتشف بسهولة أنهم أو أنه لا يملك منهجية محددة أو أسلوبًا متفردًا أو سمةً شخصية للكتابة، تستطيع معرفته بها مهما تنوع وشكل وقصر أو أطال في كتابته وفحواها، ولهذا نرى أنه إن لم يستطع أحدهم إيجاد غنيمته في وسائل التواصل، يضطر لعرض بضاعته الشخصية، فيظهر على حقيقته، على الرغم من الترقيع الذي يقوم به مسؤولو هذا الموقع أو ذاك، ولكنه لا يجدي نفعًا، ولا يستر عيبًا، ولا يشفع له على ما يقوم به.
السرقات الفكرية هي سرقة محضة، لا تختلف عن أي سرقة أخرى، بل ربما تكون أكبر وأخطر، وهي توقع صاحبها في منزلق حرج للغاية، ولسوف يفتضح أمره مهما طال به الوقت والتضليل، وهو مسؤول مسؤولية كبيرة عما ارتكبه في حق نفسه وحق الآخرين.