بين شهري صفر وربيع ثنائية الفرح والترح من الكمالات!

قريبًا تصفر أيام شهر صفر، ويطلّ شهر ربيع الأول، شهر المسرات والأفراح. كم هي كبيرة نعمة الانتقال من الحزنِ إلى الفرح، ومن اللون الأسود إلى الألوان البهيجة، الانتقال من شهر وفاة المصطفى محمد (صلى الله عليه وآله) إلى شهر ميلاده!

القارئ الكريم، إذا اشتريتَ آلةً سوف تلحظ في أغلب الأحيان أن من صفات جودتها عملها تحت خطّ بياني من الحرارة يمتد من السالب إلى الموجب؛ السيارة أجود حينما تعمل في أجوائنا الحارّة جدًّا، وفي مناطق تنخفض فيها الحرارة إلى ما دون الصفر، السوائل التي تعمل بين السالب والموجب أجود في الصنع، وهلم جرة من أنواع صنائع الإنسان!

مشاعرنا الطبيعية كاملة حين تمتد في المسافة كلها بين الفرح والحزن! هل تخيلتم حين لا نستطيع البكاء أو الضحك؟ أو لا نقدر على كليهما! كم تصبح الحياة صعبة دون ساعة فرح أو القدرة على البكاء فلا يتفجر الحزن في داخلنا؟ البكاء رحمة، “ما جفت الدموعُ إلا لقسوةِ القلوب وما قست القلوبُ إلا لكثرة الذنوب”.

رأى النبيّ يعقوب (عليه السلام) مكان ابنه بنيامين خاليًا فاستولى عليه الحزنُ والألم، وعادت ذكريات ولده العزيز يوسف إلى ذهنه، وتذكر تلك الأيام الجميلة التي كان يحتضن فيها ولده الجميل ويشمّ رائحته الطيّبة. تذكر يعقوب ولديه يوسف وبنيامين فابتعد عن أولاده واستعبر وقال: يَا أَسَفَىٰ عَلَىٰ يُوسُفَ! واصل يعقوبُ بالبكاء ليله ونهاره، ولم يهدأ حتى عاد له يوسف (عليه السلام) وأخوه بنيامين.

خلاصة المرام: من الطبيعيّ أن نبحث في الحياة عن ساعات الفرح والبهجة وعندما نجدها نبتهج. ومن الطبيعيّ عندما تجثم الدنيا وتضغط بثقلها أن ننفس عن مشاعرنا ونخفف من الضغط بالبكاء، وذلك من كمال وجمال صنع الله سبحانه وتعالى بنا. ثنائية الفرح والترح من كمالات صنع الله {الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ}.

من نعم الله وإحسانه وخيره ولطفه، أنّ عواطفنا تتغير كما تتغير فصول الحياة. فلا حزنَ يدوم ولا فرح يدوم، والله وهبنا عاطفةً متغيرة متبدلة نحتاج إليها جميعًا في حياتنا الشخصية وقطع مشوار الحياة بأقلّ كلفة. كم في البكاء من فوائد إن كان في رضا الله وطاعته وتحت سقفِ سخطه وغضبه؟!

يأتي شهر ربيع، وتخمد فيهِ جذوةُ الحزن، يزيح اللونُ الأبيض والألوان الجميلة الأخرى اللونَ الأسود، وتسود الفرحة ما بين زواجٍ وعقد قران. إنها طبيعة الحياة التي لا تخلو من موازنة بين إحساسٍ وإحساسٍ آخر، وفي كل تغير نرى آيةً من آياتِ الله سبحانه وتعالى!
فَيا عجبًا كَيفَ يُعصى الإِلَهُ ** أَم كَيفَ يَجحَدُهُ الجاحِدُ
وَفي كُلِّ شَيءٍ لَهُ آيَةٌ ** تَدُلُّ عَلى أَنَّهُ واحِدُ
وَلِلَّهِ في كُلِّ تَحريكَةٍ ** وَتَسكينَةٍ أَبَدًا شاهِدُ



error: المحتوي محمي